بقلم : علي أبو الريش
في كتاب «دروب الحداثة» يقدم لنا المفكر محمد وردي، بديهيات شروط الأنسنة في أن يكون الإنسان ابن عصره، منتمياً إلى واقعه، بل هو الحاضر في الوجود، جوهراً، وهنا يقف محمد وردي مع مارتن هايدجر، في اعتبار الإنسان «هنا» وألا يكون الفرد مجرد رقم مختزل. في هذا الكتاب يعتني محمد وردي بالفكرة، فيعطيها إضاءة من داخله، لتدخل حيز الوجود نجمة مضيئة، وغيمة ناثة حاثة، قابضة على مفصل الحياة، من دون تسويف أو تخريف. في هذا الكتاب يسرد محمد وردي كمفكر معاصر، خبر التجربة الإنسانية عن وعي وقراءة ممعنة في البحث عن الذات الإنسانية، التي ربما تاهت في مرحلة ضياع البوصلة العقلية، في شعاب المتحذلقين والمسوفين، والذاهبين في المعنى خارج مركز الدائرة الإنسانية
أقرأ في هذا الكتاب، كيف يصل الإنسان إلى المعرفة وكيف تُعرف المعرفة على أنها انفتاح على الآخر، وذهاب بالذات إلى حيث يتقبّل الله مخلوقات كي لا تبدو الحياة مجرد مصادفة وقعنا نحن فيها. في هذا الكتاب حلم مفكر عربي، أن يصبح العالم في دائرة المعارف السماوية جميعاً، لا في اختزال الفكرة والسطو على الدين، والاستيلاء على ضمير الإنسانية.
ويقول وردي، استناداً للتجارب الحضارية في التاريخ الإنساني، ما يعني أن المصالحة مع الماضي تقتضي المصالحة على الفلسفة، كي تتاح الفرصة لإعادة قراءة النصوص برؤى جديدة، ومتعددة تسمح بإمكانية تجاوز أحادية المعنى الذي تقود له الألفاظ وحدها وتصل إليه بغير واسطة. وجدير بنا أن نذكر أن محمد وردي يقف مع الفيلسوف الإسلامي العالمي، ابن رشد على خط متساوٍ، في قول الأخير بحتمية التأويل، في مضار الحشوبة التي سار عليها، أرباب الأشعرية وغيرهم. محمد وردي يعطينا مدخلاً لقراءة جديدة للنص، حفظاً للنص نفسه من التهويل، والتضخيم وتلاشي المعنى في باطن النص. محمد وردي يعطينا في هذا الكتاب فصلاً جديداً مضاداً للتشويش والتهميش والخربشة على الجدران القائمة.
وبهذا نشعر أننا أمام فكر يقدم على طبق من وعي بأهمية أن يكون الخطاب الإسلامي توعوياً في نطاق الواقع الإنساني والحاجة إلى التفكير بالعقل من دون جهل.
ولذا فإن قراءة مثل هذه المعطيات الإبداعية، تدعونا جميعاً أن نفخر بأن في الأمة من هم أكثر اتساعاً في الوعي، وأن خطابنا مشمول برعاية المخلصين.