بقلم : علي أبو الريش
الشمس والقمر، شيء من الفكر، وشيء من القدر، فيه النذر، وفيه الحذر، نحن ما بين الجدر، نسبر، ونخبر، ونقبل، وندبر، ونتمحور، ونتطور، ونسطر، حروفاً، من أمر ودهر.
نتبع، الظل، ونجلل النفس بالأمل. نهيم في فضاءات لا فيها شاطئ، ولا شجر، نحن هناك، وليس هنا، نحن نتابع الخطوات، كأننا في حلم، لا علم، نحن هكذا في الأيام، بحث دائم عن جذر. بعضنا شمس وبعضنا قمر. نغني للأقمار ونختبئ عن الشمس نظن أنها اللظى، ونظن أن القمر ضوءنا، والسفر. ولكن القمر، من حجر، والشمس من شعلة، لا تنطفئ، ولا يغشيها السهر.
من منا لم يغدر به القمر، من منا لم تخدعه أنوار بلا سفر. منذ زمان، وزمان، والشعراء يتبعهم الغاوون في رحلة الكدر، يرفعون النشيد عالياً، لعلهم ينالون من بعد شغف، ولهف، وكلف، وتلف، وعسف، وكسف، ما يكحل الطرف ويثري الروح من بعد رفف. هذه هي سجية العالقين في الزمن، الغارقين في المحن.
هذه كتلة الجحيم التي أحرقت من ظنوا في القمر نوراً، وهتفوا هيا نرفع راية الحلم ونسهر، على ملحمة التاريخ، لأن القمر ملحمة، وملهمة، ومهمة الإنسان في الإفصاح عن وعي، وسعي، ورعي في خصيب الأرض، ورطيبها، وخضيبها، ورضيبها.
هذه الخدعة التي أملت على الإنسان، ما شاع، وذاع، وأصم الأسماع. هذه هي الصورة المثلى، لخداع البصر وزبد الموجة، وغثاء السيل، وشعثاء الصحراء، وشعواء، التاريخ، وعشواء الفكر، المتحدر من غيظ، وفيض، ورمضاء ما قبل الإدراك، وشظف الوعي.
الإنسان في السفر الطويل عبر الزمن، وقع في عثرات، وحفرات، هيضت مسعاه إلى الحقيقة، والحقيقة أن القمر ما هو إلا بقعة عملاقة، من حجر أصم، نحن الذين اختطفنا الضوء من الشمس، لنعطيه لحبيب، أعسر، ثم نمنا، لنصحو على صورة حسبناها أبلغ من الحقيقة، وقلنا إنه القمر المضيء ثم رهبنا، رهبنا بعيداً عن الشمس، عن الحقيقة، فداهمنا الوهم، ثم الغم، ثم الألم.
نحن الآن في جوف الألم، لأننا نتبع التابع، نتبع القمر وهو بلا ضوء، بل هو العدم عندما تغيب الشمس. في الأصل كانت الشمس، وفي الجوهر سبقت الشمس القمر، وأهدته هدباً من أهدابها، فاستضاء، وأضاء، وملأ الدنيا شعراً، ونثراً، وكذب الشعراء كثيراً، وحلموا، واجترعنا أحلامهم، صرنا نكذب كما كذبوا.
هذه هي سيرة الإنسان مع الكذب، بدأت منذ أن تمت الخديعة الأولى، منذ أن أضاءت صخرة القمر، ومنذ أن استمع الإنسان لحفيف الحلم وهو يدغدغ الأسماع، فاتبع الإنسان القمر، وهجر الشمس، ولا زلنا نغط في عتمه الإدراك.