بقلم : علي أبو الريش
الشامانية، هي مسعى فلسفي يتسرب إلى النخبة من البشر، بروح خاصة ووعي في اللانهائي، ويقول الكاتب والفيلسوف، ميشال بيران: إن الشامانية التي نشأت في سيبيريا، ثم امتد فيضها الروحاني إلى جميع أصقاع الأرض هي واحدة من أكبر الأنساق التي تخيلها العقل الإنساني، وقد وصف طابعها الأنثربولوجي مروراً بآثارها المعاصرة، ويرسم لنا بيران لوحة مكتملة عن إحدى الظواهر المتخيلة والأكثر غموضاً، مركزاً على الأسئلة التي دارت حول الشامانية، هل هي ممارسة سحرية مفتوحة للجميع، أم أنها مقولة خاطئة تولَّدت عن تصورات أنثروبولوجية صارت اليوم متجاوزة. فأصل الكلمة باللغة السنسكريتية تعني صرمنا، وتعني (المتعبد الصوفي)، وهو اسم يطلق على الكاهن البوذي لدى القبائل التي تحتل شمال آسيا.
وتفترض الشامانية بأن بعض الناس يستطيعون إرادياً ربط تواصل مع اللامرئي، بحيث يتمكنون من رؤيته ومعرفته، خلافاً لأناس آخرين لا يستطيعون إلا الشعور والتأثر به. في نهاية الأمر، ليست الشامانية علماً، بل هي فلسفة روحانية عفوية، وهي جزء من الانتخاب الطبيعي، الذي يجعل فئة من الناس تتفوق على سواها من البشر في اختراق اللامرئي، واستشفاف مضامينه اللامرئية، ومعرفة أسرار ما بعد الطبيعة.
في هذا الكتاب الذي تمت طباعته عن طريق دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي، لقد اتخذ مشروع «كلمة»، قراره الريادي في السفر التنويري، واختيار المنتج الثقافي من مختلف دول العالم، إيماناً من القائمين على هذا المشروع أن التنوير يبدأ من الانفتاح على الآخر. ويعتبر كتاب الشامانية من الكتب ذات الأهمية الثقافية، كونه يطرح فكرة تقوم فلسفتها على الاختلاف، ليس في الشكل وإنما في المضمون، فكثير من الناس قد لا يعرف ما هي الشامانية، وغيرهم قد يقول: وما قيمة أن نقرأ مثل هذا الكتاب، إنه لا يقدم شيئاً مفيداً كونه بعيداً عن ثقافتنا. هذه إجابات جاهزة قد تطرح، ولكن ما هو المهم في الطرح، إنه في إغماضة العين، قد تمر علينا مشاهد في الحياة نحن في أمس الحاجة إليها، والترجمة هي دقات بندول الساعة الذي يوقظك من النوم، لتذهب إلى الحياة وأنت في وعيك. وعندما نقرأ مثل هذا الكتاب، فليس من الضرورة أن نقتنع بما يحتويه الكتاب، وإنما من الواجب أن نعرف ما يفكر به الآخر، وكيف يفكر، وطالما نحن جزء من هذا الآخر، فلا بد لنا أن نقترب من تفكيره، لنصبح في صلب القاسم المشترك مع شعوب العالم. فلا يجوز أن نستهلك منتوجهم المادي، ونحن غرباء عن تفكيرهم الروحي والثقافي، فالصلة بين المادة والروح، هي صلة بين العقل والقلب.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد