بقلم : علي أبو الريش
في السفوح، وعند حصى الرمل المتجمد، نجدها سامقة، هي شجرة الأكاسيا (الغاف) تمد أذرع أحلامها إلى العلا، متناهية في الشموخ، والكائنات المخملية تحوم من حولها، النحلة غافية بين أوراقها الشائكة، تبني ما اشتاقت إليه من شهد الحياة، هذه الشجرة أصلية في وجودها، فكم من الأعين مرت حولها وذهبت إلى اللانهائي بعد أن أغمضت الجفون، وسبلت الرموش، وبقيت الأكاسيا في سفوح الإمارات ترقب ما يحدث، وتمد الحياة بمزيد من التألق، وترابط الأنساق وهي تخيط ثوب الصفاء لأجل عالم يرتع بالفرح، ويمتلئ بالحياة، والحيوية، ولا تجزع حين تمر العاصفة من حولها، ولا تتشاءم، لأنها خلقت قبل أن تكفهر الوجوه وجاءت إلى العالم محملة برسائل الخلود، وعلى أوراقها تكمن حقيقة، كيف يكون المخلوق خالداً، عندما يتخلى عن ضعفك، وعندما يتجاوز المصاعب، بمادة الإرادة ولم يكن الإنسان هنا، عند هذه السفوح إلا شجرة أكاسيا، بروح بشرية، مسكوبة على الأرض مثل قلادة ذهبية تلمع على نحر جميلة من جميلات هذه السفوح، وإذا مر أحد عند السفوح، وتأمل الشجرة العريقة، ونظر إلى جذرها المغروس في التربة مثل السهم، سيجد التاريخ هناك، جالساً القرفصاء، وليده قلم وقرطاس، وكلمات قديمة قدم الدهر، تلون الوريقات، بحبر الأيام التي مضت، ولون الوجوه بسحناتها النحاسية، وآهة امرأة قد تكون أنجبت ووليدها البكر تحت ظل هذه الشجرة، وربما أسمته القابس، لأنه فور خروجه من الظلمة، أنار وجهه الوجود وعلى جبينه كان يسكن القمر، ولما كبر أصبح فرعاً من فروع هذه الشجرة، ويرفع النشيد لأجلك يا وطن، متفائلاً بأنك ستصبح في العالم نهراً يغذي جذور أفئدة الآخر بالحب، ويمنحه قصيدة الحرية، وتسير قوافله باتجاه الوجود محملة برسائل الخير، ومن دون كلف ولا تلف
هذه الأكاسيا الرابضة على الأرض مثل الغيمة، ترفع أغصانها إلى السماء، كدليل على سجيتها في الوجود، إنها مؤمنة بأن الإرادة هي ورقة الأكاسيا الخضراء، التي لا تعجف، مهما بلغ باللهيب من حرقات، لأن الحب أقوى من الصعوبات.
إنها في حالة استنارة دائمة، والبهجة تبدو على أوراقها، غنيمة زمان من التألق والانسجام مع الواقع. فلكي تعيش في الوجود قوياً، كن من دون رغبات، هذه الشجرة لا تتطلع إلا إلى العيش بسلام، ولو لم تذق رشفة الماء لسنوات، فهي باقية، ومبتسمة، لأنها في حضرة الأبدية وسرمدية الوجود الذي لا توجد فيه الرغبات.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد