بقلم : علي أبو الريش
وطن الإنسانية ينتمي للود، يحلم برخاء الإنسان وثرائه بالحب ولا شيء سواه، يملأ الكون بالأناشيد، ومن قهوة التاريخ يرتشف مذاق الانسجام بين الناس جميعاً، والقارب وطن يسافر في الطموحات نحو شطآن ووجدان، لا ترخيه ريح، ولا تثنيه عاصفة، إنه في الحياة محيط، والناس طيوره المنشدة لحن الوجود، إنه في الحياة وطن لا يحدد الأسماء، بل يمد الأشرعة باتجاه الجهات الأربع، ولا استثناء في الحب إلا لمن لا يعرف الحب، إلا لمن يغرف من وعاء رواسبه وخرائبه.
وطن الإنسانية، السماء الصافية مظلته، والأرض السخية سجادته، والناس النجباء أجنحته، والإرث العريق ساريته، والحب محيطه، يحسده الحاقد، ويرمقه الناقم، ولكنه مثل نبي يمضي بعفافه وشرف الناس النبلاء، يمضي من دون التفاتة أو جفول أو ريبة، لأنه يتكئ على جبل من القناعة الراسخة بأنه لا يصح إلا الصحيح، ومهما بلغت الأمواج من هياج ومياج، تبقى الروح الصافية مثل النهر، لا تتكدر مياهه ولا تؤجج عذوبته.
وطن الإنسانية، عند ربوة عالية، يتطلع دوماً إلى الأفق، هناك حيث تكمن حقيقة التماهي مع النجوم، هناك حيث يتجلى الوعي البشري وتهطل أمطار الحلم ويخضر عشب الحياة وتنمو أشجار الأمل، وتنجلي عن الخاطر أشكال الوسوسة والغيبة والنميمة، ويصبح الإنسان نقياً مثل الوردة، عاشقاً مثل الفراشة.
وطن الإنسانية، في شارعه لا توجد إشارة حمراء تمنع من المرور، فالكل يمر والكل يمضي إلى غايته، طالما حمل في محفظته أحلاماً لا تسيء ولا تعرقل الآخر، الكل يمضي والمحطات كثيرة والأرض واسعة، والسماء مرصعة بالنجوم والقمر حارسها، ولا شيء يعيق من يريد أن يمضي بلا ضجيج أو عجيج.
وطن الإنسانية، سفينة استمرار الخليقة، وهو وطن يسكن فيه الجميع على درجات متساوية في الحقوق والواجبات، ومن تعطبت عجلته لابد له أن يستبدلها، أو يذهب إلى الرصيف متلاشياً عرقلة السير وتجنباً للمساءلة الأخلاقية.
وطن الإنسانية، فتح جديد من فتوحات صحرائنا النبيلة، هو من وحي عبقرية الجغرافيا والتاريخ والإنسان، هو من عطاء الرجال المؤسسين، هو من بذل المخلصين، هو من جهد الصادقين، الذين جعلوا من كثيب الصحراء صهوة خيل وسنام جمل، واشتقوا من جذر الغاف صفحة من صفحات مجدهم واستثناءاتهم.
وطن الإنسانية، رسالة السماء إلى الأرض، وكلمة تسفر عن قصد لا مصادفة، بأن الحياة هي أن تكون القلوب صحائف لم يلحقها أذى الملفقين، ولا قذى المزورين، ولا زبد المهرولين باتجاه الزيف والتحريف، الحياة بالحب تزهر، وبالحقد تذبل وتندثر.
نقلا عن الاتحاد