بقلم : علي أبو الريش
تنظر إلى الوردة فتأخذك بجمالها، وتقف أمامها بسلام يشبه الوقوف أمام قديس مبتهل إلى الله، ومن دون رجفة أو خفة طرفة، إنه كذلك في الحياة بلا غرض أو عرض أو فرض. وتقف أمام البحر، فتجده مثل كائن أسطوري يذهب بك إلى عوالم الدهشة الرهيبة، بجلاله، وكماله، وخصاله.
يقول أوشو الفيلسوف الهندي، والكاهن المستبسل من أجل النيرفانا الطوعية، إن الوردة تعطيك بلا شروط، تمنحك الجمال الذاتي وتمدك بالذوق الرفيع من دون متطلبات الدنيا، هي كذلك جاءت من الطبيعة، بسليقة العطاء البديهي، ولا غير ذلك. بينما يقول الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط، إن للبحر جماله، كما أن له شروطه، إنه يعطيك بقدر ما تكون عليه من طاقة ذاتية في تحمل ما للبحر من شروط، فإن لم تكن تحمل في داخلك شرط القوة البدنية، والنفسية، فإنه سيرفضك على الفور، لأن البحر لا يقدم عطاءه مجاناً، إنه محكوم بشروطه الذاتية، فذاك الغواص الذي كان يلج العباب، كان قبل كل شيء يودع زوجته وأبناءه، ويطلب منهم الدعاء له بالعودة سالماً معافى، لأنه ذاهب إلى جلال البحر الجميل الذي كما يزخر بالجمال، فإنه يعج بأنياب الخطورة، وأحياناً الموت.
وكذلك العابرون محيطات المسافات السحيقة، كانوا في أحشاء البحر، ينتظرون المفاجآت، والمباغتات، ومداهمات اللحظة الأسيفة. ولكن في نهاية الأمر، يبقى للجمال ذائقته، وللجلال لحظته الجميلة، مهما بلغت من نهايات قصوى في التحدي والشروط، ويبقى في المضمون، ما تستقبله النفس من مؤشرات، وإشارات، تعود في النهاية إلى حاسة تذوقنا، ورهافة مشاعرنا، وهي المجس الحقيقي الذي يعطينا حب الشيء لذاته أو عدمه.
عندما نذهب إلى الأشياء ونحن نتمتع بالصفاء الداخلي، فإننا نرى الجمال في حدوده الذاتية ومن غير غاية أو غرض أو مصلحة، وعلى العكس، يكون للشوائب شروطها، تأتي لتمنع رؤية الأشياء كما هي، بل كما نكون نحن، ونحن الملوثين، نسبغ على الأشياء ألوان ما بداخلنا، فلا يمكن أن ينظر الكئيب إلى الوردة ككائن جميل، بل قد ينتزعها من برعمها ويقذف بها إلى مكب النفايات، وسوف ينظر المنبسط إلى الوردة، من دون أن يلمسها، ويبتسم فرحاً، وقد ينظر السوداوي إلى البحر، فترتجف فرائصه، مجللاً بأحلام الأساطير المخيفة عن البحر، وقصص الأسفار المرعبة، بينما ينظر الصافي إلى البحر كجليل بسمة الجمال المهيب، فيغبطه الكيان البحري بما يتصف له من جلال متوج بالجمال.
فكن جميلاً ترَ الوجود جميلاً، فقط نحتاج إلى الصفاء الداخلي لننظر إلى العالم بحيادية النفس المطمئنة، الذاهبة إلى العالم بروح الشفافية الأنيقة.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد