طفلي أكبر مني بكثير

طفلي أكبر مني بكثير

طفلي أكبر مني بكثير

 صوت الإمارات -

طفلي أكبر مني بكثير

بقلم : علي أبو الريش

عندما يجلس أمامك طفلك، ويبدأ في طرح أسئلته الواسعة، تشعر أمامه أنك صغير جداً، وتتضاءل أكثر كلما وسّع هو من أسئلته، ويضيق بك الكون عندما يفرد هو أجنحة الاستفهام، ويمشي على سجادة اللغة، من دون تعثر ولا تبعثر، بينما أنت تشعر وكأنك أمام امتحان، وتخشى من الأسئلة المباغتة، وتهاب نظراته، وتقوس حواجبه الصغيرة، ولمعة الرضاب الجميل بين شدقي شفتيه، ويداه الصغيرتان مثل جناحي طائر، تلوحان وكأنه يطارد إجاباتك التي تكون أحياناً مبهمة، لأسباب تخص قلة وعيك لأهمية التناغم مع هذا الطفل الذي لا يجد مبرراً لخوفك من أسئلته، لأنك كنت في يوم من الأيام تواجه القلق الوجودي نفسه، وحالة البحث عن الذات نفسها، من خلال النبش في رمل الحياة، من أجل الفوز في لحظة انتصار على الغامض والمبهم، والمدلهم في أحيان كثيرة، لأنك لا تريد أن تكون أنت في اللحظة التي تكون أمام طفلك، تريد فقط أن تمثل دور الواقف من فوق ويلقي بالأوامر، ويسدي بالنصائح ويهدد ويتوعد ويرعد ويزبد، وما على الآخر الصغير إلا أن يرخي سدائل العرفان لمن يطعمه ويسقيه، ويقول شكراً لك أبي لأنك أبي، ثم يغادر منطقة أسئلته ولا ينطق ببنت شفة.
أنت يغادرك ابنك، وتجلس بمفردك، وتعيد طرح أسئلته على نفسك من جديد، تشعر بتفاهة هذا العالم الذي خدع وصورك أنك أنت الأكبر، وأنت الذي تستطيع أن تساهم في توسيع وعي الأصغر منك.
تشعر بأنك تعيش كل هذا الزمن الطويل تحت طائلة خدعة بصرية مريعة، وأن هذا الصغير الذي تخبئ عنه مسلمات التاريخ هو الأكبر، وهو الأذكى لأنه مثل الغيمة لا يخبئ شيئاً، بل هو فضاء مفتوح على العالم، ولو كان منه أن يلقي خطاباً موسعاً عن الكون، فسوف يقول ما يجيش في خاطره، ولن يتورع في أن يفرغ كل ما في جعبته عن الأسرار الدقيقة التي تحدث في منزل ذويه، لأنه لم يقع بعد في سجن الأنا، ولأنه لم يزل خارج إطار الشخصانية المصنوعة خصيصاً من الآخر، هو الآن الأكبر لأنه الأكثر وعياً بكينونته، والأكثر انفتاحاً نحو الخارج من دون محسنات بديعية، ولا استعارة ولا كناية، فالجملة لديه مباشرة وواضحة، ومنسجمة مع قناعاته هو وليس أنت، عندما تنظر إلى كل هذه التفاصيل، تشعر فعلاً أنك الأصغر، لأن الأكبر هو بالفعل من يتغلب على خوفه، ويهزم قوانين الأنا.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طفلي أكبر مني بكثير طفلي أكبر مني بكثير



GMT 09:11 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام قطرية – تركية لم تتحقق

GMT 09:06 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

تذكرة.. وحقيبة سفر- 1

GMT 09:03 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

عندما تصادف شخصًا ما

GMT 08:58 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

اختبار الحرية الصعب!

GMT 00:41 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

وماذا عن الشيعة المستقلين؟ وماذا عن الشيعة المستقلين؟

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 17:02 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

احذر التدخل في شؤون الآخرين

GMT 14:09 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

تبدأ بالاستمتاع بشؤون صغيرة لم تلحظها في السابق

GMT 21:27 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

تتركز الاضواء على إنجازاتك ونوعية عطائك

GMT 17:31 2015 الخميس ,29 كانون الثاني / يناير

عملية قذف النساء أثناء العلاقة الجنسية تحير العلماء

GMT 04:40 2015 الثلاثاء ,31 آذار/ مارس

اختاري أفضل العطور في ليلة زفافكِ

GMT 00:04 2017 الأحد ,24 كانون الأول / ديسمبر

هدف ثالث لفريق برشلونة عن طريق فيدال

GMT 09:12 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

لامبورجيني أوروس 2019 تنطلق بقوة 650 حصان ومواصفات آخرى مذهلة

GMT 20:46 2014 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

"الكتاب" يوجه التحية إلى سلطان لرعايته معرض الشارقة

GMT 14:58 2016 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

البصري يطالب "المركزي" العراقي بالحدّ من منح إجازات مصرفية

GMT 02:08 2016 السبت ,16 إبريل / نيسان

اختاري عطرك بحسب شخصيتك

GMT 10:38 2013 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

بروتوكول لإنشاء محطة لتحلية مياه البحر بقيمة 200 مليون جنيه

GMT 23:49 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

تتويج السوري عمر خريبين كأفضل لاعب في آسيا لعام 2017

GMT 11:51 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ماكرون يشيد بجهود شما المزروعي في دعم الشباب

GMT 03:12 2016 الأربعاء ,13 إبريل / نيسان

كعكات الموز والشوفان الصحية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates