بقلم : علي أبو الريش
يشعر الإنسان أنه وحيد، ليس لأنه فَقَدَ حبيباً أو قريباً أو صديقاً، بل لأنه لم ينغمس في الوجود، هو ما زال خارج الوجود، ولذلك يبحث عن الدفء، ويتخيل أن طرفاً آخر قد تآمر عليه وتركه وحيداً. من هنا تبدأ الإدانة، إدانة الآخر وتوجيه التهمة له بأنه سبب هذا الضياع الذي تشعر به وتعانيه. كن منغمساً في الوجود، ستجد نفسك محاطاً بشراشف الدفء، ستكون مستقراً، وآمناً ولا تخشى الضياع. ومن أسباب الإحساس بالفقدان: الغيرة، التملك، التعلق والتوقعات. عندما تتعلق بشخص ما، الأم أو الأب أو الصديق أو من تحب، فإنك أول ما تحس به الخوف من الفقدان، واتساع حدقة الفراغ في داخلك. املأ فراغك بحبك لذاتك، فسوف تتخلص من الخوف، ومن ثم ستتحرر من إدانة الآخر، فنحن عندما نحب شخصاً ما، فإننا نبحث عن الحب في داخله ولا نرى أنفسنا، وهنا تكمن المعضلة، نحن نريد من الآخر أن يحبنا وليس لدينا ثقة بأنفسنا، إنْ كنا نحب أنفسنا أم لا. الحب لا يأتي من الخارج بل هو كائن في الداخل، يولد فينا، منذ أن كنا أجنة فهو مثل التنفس، الذي يحيي الجسد، فالحب يحيي الروح، فلا يمكن أن يولد مخلوق وهو وعاء فارغ من الحب، ما يجفف قاع هذا الوعاء، هي الرواسب، فالحب ينبوع موجود في باطن تربة الإنسان، الرواسب هي الصخور التي تمنع استمرار تدفقه، أو انحرافه عن مساره الطبيعي، عندما يشكو شخص من أن الطرف الآخر لا يحبه أو أنه بدأ يتململ منه، أو يخفت وميض الحب في داخله، فإن الأمر لا يتعلق بالشخص الأول بل إنه مرتبط بالشخص الثاني، والمشتكي، فهو لم ينظر إلى ذاته، وإنما تحول بسرعة فائقة إلى الشخص الآخر، ليتهمه؛ لأنه لا يريد أن ينظر إلى ذاته هو، لا يريد أن يعرف الحقيقة، ولو عرفها سوف يسبب لنفسه الكثير من المشاكل وأولها إدانة نفسه، وتأنيبها، وهو لا يريد ذلك، والأنا، في داخله ترفض الإدانة، أو الشعور بالتقصير، الحب الحقيقي، هو كذبة، اكذب على نفسك، ثم اكذب، سوف تصدقها في نهاية الأمر، عندما تكتشف أن الحب كائن فطري، نحن الذين نغير من وجهه ليناسب الواقع، والواقع له حساباته، والحب لا يعرف الأرقام، إنه طفل مهما كبر الإنسان، وفي الطفولة عفوية، وطهارة وكذبة جميلة بجمال الطفولة.