بقلم : علي أبو الريش
في العالم العربي هناك جفاف أخلاقي، وجفاء قيمي. دمرت دول عربية، ولم يتحرك ساكن لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وشرد الملايين من البشر، ولم تنهض همة الضمير، وساحت الأفكار وسرحت، وشرخت الوجدان ولم تستيقظ النفس العربية.
هناك جرثومة فتاكة عصفت بالعقل، ولم يعد قادراً على فهم الأولويات، والبدهيات، بل الكل قال، أنا ومن بعدي الطوفان. طالبنا الآخر في أقصى نواحي الدنيا لكي يستوعب مهاجرينا وأن يؤويهم، ولم نصح نحن لأداء الواجب الإنساني والأخوي. اليوم عندما تتجرأ دولة وتأتي من نفايات التاريخ، لتحمل ادعاءات خرافية وهمية، وتتحكم في مرابط الخيل في بلادنا العربية،
وتمارس فعل الوصاية والدعاية والغواية على هذه الدولة العربية أو تلك، لا نملك إلا العويل والصهيل، لأننا فقدنا مشروعية كبح لجام المتهورين والمتبجحين، والذين في قلوبهم مرض، وفي عقولهم غرض. دول إقليمية امتطت صهوة الغي والطغيان، وباتت تتحدث بغلة فوقية، لا تتناسب البتة مع مقوماتها الطبيعية، فيما لو قيست بسعة الجغرافيا والتاريخ والإمكانيات العربية، ولكن للأسف، فكل هذه القدرات، معطلة ومختزنة في اللاوعي فقط، ولا مكان لها في واقع الأمر، لأن العروبة مختزلة في طموحات ضيقة وضئيلة، ولأن العرب مشغولون في تصفيف كراتينهم
الصغيرة في مخازن التاريخ العتيق، وليس لديهم من الوقت للتنبه بما يجري في خارج هذه الكراتين. إيران أصبحت دولة (عظمى) تهدد وتتوعد، وتسخر من الشتات العربي. وكذلك تركيا، صار امتدادها الجغرافي خارج حدودها، أي في قلب دولة عربية مثل سوريا. وإسرائيل، تحدد مجالها الجوي عند شغاف بيروت، والكل ينهش من الجثة الهامدة، ولا من سمع أو رأى.
كل ذلك يحدث والعرب يبحثون عن حل لمواجهة الإرهاب، والإرهاب بقعة زيت طافية على بحيرة من أطماع الآخر الذي وجد من هذه الكتل البشرية الهائمة، سلاحاً لتحطيم بقايا المركبة الغارقة في شتات المراحل، ما بعد الفراغ التاريخي.
إيران اليوم، وجدت الفرصة سانحة كي تفرغ الأحقاد التاريخية القديمة، وتضع كل الأفكار العرقية المقيتة في سخان ماء يفور بالتسلط والتزمت والانهيار الأخلاقي. وتتبعها تركيا التي لا تقل فجاجة في تعاملها مع الظرف العربي، فتبدو مثل حشرة الأخشاب تدخل في كل بقعة مهترئة من الجذع الهرم. ونحن ما زلنا نعيب الزمان، ونعيب المكان، والعيب فينا. الآن لو اجتمعت كل الدول العربية، على قلب واحد، وقلنا لإيران لا، سوف ترتعد فرائص الجالس في قم، وسيقول إن الله حق، ولن نسمع بعد ذلك تصريحات لقاسم سليماني، تسمم البدن، ولن يصبح للصواريخ البالستية أي فعل أو مفعول.