الموت حطاب والغابة خالدة

الموت حطاب والغابة خالدة

الموت حطاب والغابة خالدة

 صوت الإمارات -

الموت حطاب والغابة خالدة

بقلم : علي أبو الريش

مر عام وجاء عام، ونحن ندخل الأعوام مثل حطابين نبحث عن حبة الحياة، نحن مثل سمكة تبحث عن علقة تسد الرمق. مر عام بدمائه وبلوائه وتفاصيله المعقدة، وحيثيات شؤونه المبعثرة بين السلب والإيجاب. عام ذهب ومعه أخذ أحباباً وأصحاباً، وعلى حصاه تعثرت أوطان، وتبعثرت أشجان، وتشظت أكباد، وتلظت أفئدة، واحتدمت مفاصل، واضطربت فواصل. عام مر مثل قطار منهك مر مجلجلاً، والركاب ينتظرون إذن الدخول إلى الهوة المهيبة، ويعبثون في حقائب السفر البعيد، منشغلين بهموم السفر وما يتلوه من تبعات الرحلة الطويلة.

عام مر كأنه الزلزلة، أطاحت آمالاً، وهزمت أمنيات، وحطمت جدران، وهشمت أغصان، وتساقطت الكثير من الأوراق، حتى بدت بعض الحقول جرداء صفراء من غير رمق.

عام مر وأسئلة كثيرة على لسان الطير، لم تجب عليها موجة البحر، ولم تبلل ريقها غيمة السماء. عام مر كسحابة بلا مطر، كموسم بلا ثمر، كرقية من السحر، كجمرة أحرقت أصابع الحجر، كبقعة رمادية على جسد امرأة أتعبها الانتظار. عام مر كان مزنجلاً بأطواق وأبواق، لم تدع الهواء النظيف يدلف إلى رئة الواقفين على رصيف الحلم، ولم تترك للطير أن يحلق في السماء، ويرفع النشيد عالياً. عام مر واليمن لم يزل يئن تحت وطأة الأخف الثقيلة، حيث الحوثي رمة التاريخ، تنخر في العظم وتنهش اللحم.

عام مر ولم يزل اليمن يطرح سؤاله القديم، لماذا تتحول الطائفة إلى ناب ومخلب؟ ولماذا لا يرتاح الإنسان هناك من التصنيف، وتجويف الوطن، وتحريف التزاماته الأخلاقية، وتجريف أشجار قيمه، بحيث انحصرت في مشنقة الطائفة. عام مر ولم تزل سوريا في قبضة الخوف، وتحت سطوة المشاعر المدمرة، وتسأل عن تاريخ لم يعد حاضراً، وعن جغرافيا أنهكها الانتهاك، والاستهلاك المقزز.

عام مر وليبيا تأسف على ماضٍ لم يكن جميلاً، لم يكن بلا لون، عام مر والصومال سقط عنه كتاب التاريخ في زرقة البحر الأحمر، ويبدو أنه تلقفته يد قرصان أحمق، عام مر والعراق الحبيب لم تنخفض بعد درجة حرارته أثر حمى داهمته لسنوات، ولم يزل يعاني من فساد مفاصله، وبعض الهضات هنا وهناك. عام مر ونحن برغم كل هذه الرضات العنيفة، إلا أننا نقول الحياة أقوى من الموت، فالموت حطاب، والغابة خالدة. فهذه الأمة، وإن شاخ نخيلها، فإنها تبقى واقفة، فالمغول فعلوا ما فعلوا، وغيرهم من الشرق والغرب، ولكن عادت الأنهار تجري برغم السدود والحدود، لأننا أمة خلقت لتحيا، لا لتموت. ستمر الرياح طالما بقيت النوافذ مفتوحة على أزهار الحقل، وطالما بقي العطر إنسانياً، لا ينتمي إلى زهرة أو بذرة. عام مر، ويأتي عام محملاً برسائل، تمنح المتشوقين الأمل بأن الحياة جميلة، ولن يغير لونها غبار الخيول المسعورة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الموت حطاب والغابة خالدة الموت حطاب والغابة خالدة



GMT 15:12 2020 الجمعة ,21 آب / أغسطس

براكة... بركة الطاقة

GMT 16:04 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

رواد بيننا

GMT 13:12 2019 الجمعة ,01 شباط / فبراير

بحيرة جنيف تغتسل بالبرودة

GMT 18:55 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

الكل مسافر

GMT 20:26 2019 الأربعاء ,30 كانون الثاني / يناير

ساعات معلقة فوق الغيم

GMT 21:45 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

أترك قلبك وعينك مفتوحين على الاحتمالات

GMT 20:00 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

مطعم "هاشيكيو" الياباني يغرم كل من لا يُنهي طعامه

GMT 13:11 2019 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

"جيلي الصينية" تكشف مواصفات سيارة كروس "جي إس"

GMT 05:09 2015 الخميس ,05 آذار/ مارس

انطلاق فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب

GMT 05:58 2015 الثلاثاء ,10 شباط / فبراير

سلسلة "جو وجاك" الكارتونية تطل عبر شاشة "براعم"

GMT 22:28 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

جورجينا رزق تبهر الأنظار في أحدث إطلالاتها النادرة

GMT 21:17 2017 الثلاثاء ,18 إبريل / نيسان

حارس نادي الشعب السابق ينتظر عملية زراعة كُلى

GMT 22:33 2013 الأحد ,28 إبريل / نيسان

"إيوان" في ضيافة إذاعة "ستار إف إم"

GMT 13:10 2013 الجمعة ,08 شباط / فبراير

الحرمان يطال 2.3 مليون طفل في بريطانيا

GMT 07:27 2020 الجمعة ,10 تموز / يوليو

"إم بي سي" تبدأ عرض"مأمون وشركاه" لعادل إمام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates