بقلم : علي أبو الريش
أن تشك هو أن تسأل. الأطفال هم خير الشكاكين. الأطفال يسألون، ويندهشون وفي الدهشة، ذكاء، والذكاء ينتج الإدراك. عندما تدرك الشيء، فإنك تتواصل معه، وفي التواصل اندماج ووحدة مع الكل.
الوجود كلي، وعندما تتحد مع الوجود، لا يعود أي مجال للسؤال، ولا مكان للشك. فكيف تسأل عن شيء وأنت منه، وفيه وإليه. اليقينيون، هم أناس خرجوا من دائرة السؤال، ودخلوا في حفرة التسليم والبديهي. وهل يمكن أن نعتبر الوجود أمراً بديهياً، ولو كان كذلك، فنحن نستصغره، ونقلل من عظمة من أوجده.
أصحاب الأديان الثلاثة أبدوا صراحة، دخولهم في غرفة العناية المركزة، واستسلموا، للجراح كي يفعل بمشرطه ما يشاء، وبعد العملية، اكتشفوا أن جزءاً من أعضائهم قد بتر، ألا وهو الوعي. عندما لا تكون واعياً، فإنك تضحي بإدراكك، وتتركه سبياً، لغيرك، وكأن الله خلقك لتكون حقل تجارب لمن سيكون نائباً عنك، في كل تصرفاتك.
الواعون هم فقط الذين يدركون أنهم مسؤولون عن تصرفاتهم، ولا وسيط في معرفة الله، وإدراك الوجود. ما يحدث اليوم من تصارع بين الأديان، أو بالأحرى بين المتدينين، أن كلاً منهم منتم لدين يعتقد أنه أمسك بتلابيب الحقيقة ولا دين غير دينه، في هذا الوجود.
المشكلة تقع في الأنا، عندما يصبح الدين جزءاً من الأنا يتحول إلى شوكة وخّازة تدمي الروح، ولا تشفيها من التمزيق. وأصل الدين كل دين هو التخلص من الأنا، والأنانية، والدخول في عالم الوجود، طاهراً منقى من دنس، الفوقية والتنكر، لعظمة الكون. نحن بحاجة إلى الدين وليس إلى المتدينين، نحن بحاجة إلى كون تنتهي فيه الفواصل، والمعاضل، والمشاكل، والذين احتكروا الدين أفسدوا تعاليمه، لأن تعاليم الدين تتنافى مع طموحات المتدين، فهذا يريد أن يكون، وسيطاً، ونائباً، والوجود واحد وأصله في الانغماس، في الوحدة، وطبيعة الحال، أن هذا المفهوم لا يرضي طموح المتدين لأنه يحرمه من وظيفته، ويجعله فرداً كسائر البشر. فمن منا يقبل أن يكون ضمن من يكونون،؟ لا أحد، الشاعر يقول أنا الأفضل، والعالم يقول أنا الأميز، والسياسي، والاقتصادي، وحتى لاعب الكرة. هذه فطرة، والدين جاء ليغير الفطرة، وإلا أصبحنا مثل ساير الكائنات.
العقل هو ما يميزنا، وعلينا تطهيره من الأنانية واعتبار الشك أداة التطهير. كي تتفتح الأزهار في الداخل، ويعرف الإنسان كيف يغرق الكون بعطر الأزهار لا برائحة الجيف. بالشك وصل إبراهيم عليه السلام إلى معرفة الله. وبشك ديكارت حققت أوروبا أعظم إنجازاتها الحضارية. وبالاستسلام للمسلمات، نامت حضارة اليونان، بعدما كانت هي الإشعاع الحضاري، في أوروبا.