بقلم : علي أبو الريش
ينحني العالم إجلالاً وتقديراً للأيادي التي تبني بصدق، وللعقول التي تتفانى من أجل تأثيث وجدان الناس بالحب، والود، والأمان. وهذه شهادة من آخر، رأى بعيون صافية، ونفس متشافية، وروح متعافية من أدران الأنانية، وأوثان الحقد، وأعطى الحق لأصحابه، ولم يبخل في قول كلمة الصدق.
تقرير موقع «نومبيو» الأميركي أجاد في وضع الكلام في نصابه، حين منح أبوظبي المركز الأول عالمياً كأكثر مدينة أماناً للعام الحالي.
ولم لا. من يتأمل مدينة أبوظبي، يجد هذه التضاريس، المفروشة بأحلام الطير، المبثوثة مثل سحابات ممطرة، الممتدة، مثل أجنحة الفراشات، المفرودة مثل أشرعة السفر. هنا في هذه البقعة من العالم تنيخ ركاب الفرح أمنياتها، وتستريح الجياد على العشب القشيب، وترتل الموجة الناصعة، أجمل آيات الخشوع، والنجمة الطالعة في السماء، تكتب للتاريخ، مجد الذين سهروا، وبذلوا، وأنجزوا أروع المشاريع الإنسانية، ووضعوا الإنسان عند هامات السحب، وجللوا طموحاته، بالنجاح، والفلاح، والصلاح، وساروا به نحو غايات المجد التليد والفخر، والاعتزاز.
عندما يعتز العالم بهذه المدينة، فإنه يسكب الماء العذب في وعاء الحقيقة، ولا مجاملة هنا، لأن أبوظبي اليوم، تحث الخطى، نحو رايات العلا بسواعد العشاق الذين يخطون نحو الحياة بثقة الأوفياء، ورصانة النجباء، ورزانة النبلاء، وأمانة الأصفياء.
هؤلاء عيال زايد الخير طيب الله ثراه، وأسكنه فسيح جناته. هؤلاء من نسل صحراء الوجد الأزلي، هؤلاء، من سلالة النخلة النبيلة، والغافة الأصيلة، هؤلاء هم الذين جاؤوا من شطآن الملح ليحثوا الأرض كي تسخى بالعطاء، وترخي أهداب الحلم، لأجل أن تمر السفن عبر محيطات الطموح، والتطلع نحو المستقبل، وهكذا استطاعت الإرادة الحرة أن تنبت الأشجار، وأن تمخر عباب البحار، ليتجلى الحلم عن مدن أدهشت الدنيا، وأسمعت من به صمم.
هذه أبوظبي اليوم، تفتح صفحات الملاحم المذهلة، لتنسج خيوط المودة، مستدعية التاريخ كي ينظر بعين المحب، ويسجل جمله المفيدة عما يراه، ويلمسه ويسمعه. والتاريخ لا ينسى، التاريخ، ذاكرة معشوبة بالخصوبة التاريخ يد مرفوعة دوماً، وممدودة للذين يرسمون الحياة بريشة مبدع، فنان لا تزل أصابعه عن وضع خطوط اللوحة في مكانها الصحيح.
هذه أبوظبي، المدينة التي سهرت عند مواقع النجوم، فاستلهمت الضوء من نورها حتى أضحت المدينة قمراً يتمشى الهوينى على أديم الأرض. هذه أبوظبي المدينة، المذهلة ولم يخطئ أفلاطون عندما تحدث عن مدينته المثالية، فعندما يصفو العقل تصبح المدن كائناً سحرياً لا يرتب مكوناتها إلا من حباه الله بضمير حي وعقل واع، وقلب محب.