بقلم : علي أبو الريش
نسأل القطريين، لماذا تتهافت تركيا وإيران لاستقطاب بلادهم؟ ربما لم يستوعب حاكم قطر الدرس جيداً، ولم يقرأ لوحة التاريخ التي تقول إن لتركيا مصلحة في انحراف أحد القوارب العربية عن المسار، حتى تلتقطه، وتمد أذرعها نحوه، وتطوقه بخيوط الأخطبوط، وتضغط، ثم تضغط، حتى يفقد أنفاسه، ويضيع في مغبة الأطماع، وأطماع تركيا التي احتلت الوطن العربي لمدة أربعمائة عام، تاركة إياه يرزح تحت نير التخلف والأمية.
تركيا بأي حال من الأحوال لم تزل تعيش أحلام اليقظة، والوهم التاريخي، لاستعادة مجد قضى نحبه، وولى، والتاريخ دائماً ما يذهب إلى الأمام، ولا يلتفت إلى الوراء.
المرضى فقط، والعصابيون هم الذين يثبتون عند مرحلة من الزمن، ولا يستطيعون مغادرتها. هذه هي مرحلة التعلق الكريهة التي يعيشها أصحاب العاهات التاريخية، والمشكلة أن قطر وقعت في الفخ، وتعتقد أنها ستستند إلى حبال تحميها من عصف الأزمنة، ولا تعلم أنها مالت صوب جدر متهاوية، وقديمة في شقوقها، تسكن الأفاعي، والعقارب.
ولا يختلف وضع إيران عن رديفتها تركيا، فهذه تعيش حالة غثيان، ووجودية مفقودة، وعدمية ممقوتة، ومنذ العام 1979 وهي تعاني انفصاماً في الشخصية، وهي تريد أن تكون إسلامية ولكن الحزن التاريخي، يسحبها نحو العدمية والكراهية والحقد على الآخرين. وتريد أن تكون فارسية، ولكن ثلثي الشعب الإيراني من أجناس غير فارسية. وما بين الإسلام المفبرك، والفارسية الحمقاء، تضرب إيران الكف على الكف، وتغادر جغرافيتها باتجاه الآخر، سعياً لإثبات الوجود، وتحقيق الذات، ولكن عندما يكون تحرك الإنسان باتجاه الآخر مبنياً على منطلقات مرضية، ووهمية، فإن العلاقة لا بد وأن يلحقها التجاوز، والقفز على الثوابت الإنسانية، والاستغلال والانتهازية، والكذب والرياء.
إذاً هكذا علاقة لابد وأن يخسر فيها الطرف الأضعف، ولا مقارنة الآن بين قطر وإيران، لا من الجغرافيا، ولا من حيث عدد السكان، ولا حتى من حيث القدرة على المناورات السياسية، والقفز على الحبال.
أعتقد أن التجربة القطرية، مهما بلغت من شراسة وعدوانية موجهة ضد الأشقاء بالأخص، تبقى هذه التجربة، ساذجة وضئيلة، وهي فتيل بسيط في مقابل كاشفات أضواء بضغط عال.
ولولا اللغط العربي والانهيار الذي أصاب النظام العربي، خاصة
بعض الدول العربية الكبيرة، ما فتح شهية دولة متواضعة الحجم والإمكانيات مثل قطر، بأن تقف في وجه الأكبر، والأهم، وتعلن العصيان على الثوابت التاريخية، وتنصرف بالقارب باتجاه الوحل والمستنقعات.