بقلم : علي أبو الريش
لماذا يشقى الإنسان؟ فقط عندما يعلق في شراك المقارنة، يصبح شقياً. عندما يريد الفرد أن يصبح غنياً مثل جاره، عندما يفكر بأن يحظى بمنصب رفيع مثل صديقه الذي كان زميلاً له في الدراسة، وصار له الآن صيتاً، عندما تود المرأة أن تكون جميلة مثل جارتها. عندما يصبح الإنسان عبداً للمقارنات، يفقد حريته، بل ويفقد آدميته، ويتحول إلى كائن بشع وعشوائي. عندما تحضر المقارنة، يغيب الإنسان في الإنسان، ويحضر هيكل مشوه لا يمثل الإنسان نفسه، بل هو مسخ أشبه بالصورة البلاستيكية التي تكون على شكل امرأة أو ركل.
يتورم الإنسان وتحضر الأنا عندما يقارن الإنسان نفسه بإنسان آخر. هذه هي طبيعة الأنا، نرجسية إلى أبعد الحدود، تعشق الصورة، تتعلق بها، تتعذب من أجلها، تبحث عنها، لا تغيب الأنا إلا عندما يتحرر الإنسان من المقارنة. المقارنة وليدة ثقافة المظهر. لقد نمى المظهر عقدة الدونية لدى الأشخاص، والإنسان لا يجد نفسه إلا من خلال المقارنة، عندما يفيض الإنسان بالفردانية لا يشعر بأي وجود للتبعية، ويكون خياره بيده، يكون هو المسؤول عن خياره، وهو الكائن هنا وليس هناك، هو في الحاضر، وليس في الماضي، بل هو في لب العملية التواصلية مع الكون، بعيداً عن الاتكال وانتظار ما تسفر عنه نظرة الآخرين.
مشكلة الناس لا يريدون رؤية ما يكون، بل يريدون رؤية ما يجب أن يكون، وما يجب أن يكون هو ليس في اليد، بل هو فوق الشجرة، ولكي يحققوا المستحيل، فإنهم يلجأون إلى المقارنة، لأن المقارنة هي القوة التي تحميهم من الضعف. فعندما تقول مثلاً لست أنا الوحيد الذي سقط في الامتحان، فهناك الكثير من زملائي أيضاً لم يحالفهم النجاح.
هنا أنت أعفيت نفسك من المسؤولية، وعممت الفشل، وتخلصت من عقدة الذنب، ولو بصورة مؤقتة ووهمية، وهذه هي طبيعة أصحاب الأنا المتفحمة، إنهم واهمون، عالقون في الشق المظلم من الحياة، هم لا يرون الحقائق بل يرون أشباهها، هم يرون أشباحاً، ويظنون أنهم يلامسون الحقيقة. الحقيقة تكمن في مكان آخر، الحقيقة في النور وهم يهيمون في العتمة. وعندما لا يجدون ما يحققونه، يميلون ناحية المقارنة.
في المقارنة أغنية مشوهة، وقصيدة ركيكة، ووردة تبدو أنها جميلة، لكنها بلا رائحة. في المقارنة رائحة لكنها غير زكية، لأنها مقلدة، ولأنها لم تأتِ من جذر شجرة العود، بل هي من نشارة خشبية، ابتيعت من لدن تاجر مدلس. فكن أنت، ولا تقارن، ولا تقلد تصبح في قمة السعادة، بل تصير أنت السعادة.