بقلم : علي أبو الريش
الانفتاح هو أن تكون نهراً جارياً، لا أن تكون خزان ماء، الانفتاح أن تكون وردة تتفتح على العالم، وتتحمل مسؤولية تفتحها، فقد تؤذيها يد عابثة، أو تلامسها ريح طائشة، لكنها تفعل ذلك، لأنها جبلت على المجازفة لتعطي العطر، فقط لتنثر العطر، لتمنح الوجود الشذا بينما تبقى البذرة مغلقة، متحكمة، في كينونتها، غير منفتحة، ولذلك فهي لا تواجه الخطر.
في الانفتاح تواصل، وتكامل، وتكافل، وفي الانفتاح حلم بسعة الآفاق، وحب بفيض الأنهار، المنغلقون هم بشر آنستهم العزلة، لأنها بلا مخاطر، وفي المقابل هم بعيدون عن الآخر.
ماذا يحدث للإنسان المنعزل، إنه كمن يدخل غرفة بلا تهوية خوفاً من مرور وحش مفترس، فقد تحميه الجدران السميكة، من مخالب الوحش، لكن سوء التهوية، سوف تقضي على حياته، قبل أن يحدث ما توجس منه. الإنسان القوي هو مَن يحمل طاقة التواصل من دون توجس ولا ريبة، الإنسان القوي هو من تحرر من أفكار الخوف، لأنه لا يتفق الحب مع الخوف. في الحب نحن نذهب إلى الآخر، نسعى إليه، نطلبه، نسعد بالتواصل معه. وفي الخوف نتراجع، ننكمش، ننزوي، ندخل في الغرف المغلقة، نطفئ الأنوار، ونصغي السمع لأي هاتف قادم من الخارج، ونخلق تصورات، وتتهيأ لنا صور وخيالات، نظنها عدواً مداهماً.
في الخوف نحن نصنع الأعداء، وفي الحب نخيط قماشة الفرح، في انتظار من نحب، ونحن نحب أنفسنا، نحب الآخر، ونحب الوجود، نحب الحيوان، والطير، والشجر، وليس لدينا أعداء. فالقلب مثل الوعاء، عندما تملأه بالأشياء الجميلة، فلا حيز للأشياء السيئة.
القلب لا يحمل الكراهية والحب معاً، بل هو يذيب الكراهية في الحب، يصبحا شيئاً أحداً ويصير القلب سماءً، والحب نجومها. وعندما تضيء القلب النجوم، فلا عزلة، لا خوف، إنه العالم، مستنيراً بالسعادة، إنه الكون متشكل بالنمو الطبيعي، لأزهاره، وأشجاره. عندما يتم الانفتاح تصبح الطريق ممهدة بقماشة الحرير، فتمضي الحياة، مثل خطوات الطير في الفضاء، بلا أثر، أي بلا رواسب. عندما ينفتح الإنسان على الوجود، يصبح كموجة تسبح على سطح المحيط، هي منه وهي خارج عنه، هي في المحيط، بل هي المحيط.
الإنسان في الحياة، هو في داخلها هو خارجها. هو الحياة. الحياة هي إنسان يتواصل مع الإنسان، كتواصله مع الطير والشجر، هو متوحد في كونه مثلما تتواجد الثمرات على الأغصان، هي متوحدة، كما أنها منفرة، وما بين الاندماج والاستقلال، يزهر الوجود.