آباء الزمن الجميل

آباء الزمن الجميل

آباء الزمن الجميل

 صوت الإمارات -

آباء الزمن الجميل

بقلم : علي أبو الريش

ذلك الرجل، يقطف من شجرة حياته ثمار البقاء، لصغار فتحوا أفواهاً، في انتظار ما يأتي به النهار، وتعود به اليد المعروقة، كداً وتعباً، وفي المساء، وربما قبل ذلك يهطل المطر على يدي رجل شد الوثاق، وجاء بالحمل الثقيل على هودج الصبر، وبين اللفيف يجلس متربعاً عرش المسؤولية والالتزام، يجول بالناظرين هنا في البيت، يمسد رأس الأصغر ويمهد ظهر الأكبر، والأبناء سواسية عند ركبتيه، مثلما تفعل فراخ الحمام، وبينما تكون الأم في مطبخ الحياة، يتبوأ الرجل منصب الحكاية ويروي ما جاش في خاطره من دروس، ويقص ما صادفه من مشاهد، بينما الصغار منتبهون غير لاهين، عيونهم مثل نجوم تضيء وجه الأب، ينصتون للحكاية، مستغرقين في بسط نفوذ الأحلام، مستأنفين التلقي باهتمام أبلغ من صمت الطيور لسماع وشوشة الموجة.

في الزمن الجميل كان للرجل دفة من خلالها يقود المرحلة، ويمضي بالقارب بعيداً عن رياح الشمال، وقريباً من سواحل الأمان، كان يغسل مشاعر الأبناء بمنظف اسمه الحضور الدائم في مشهد العائلة، كان يكنس غبار الجفاء والفجوات بمنشفة الحضور، ورسم الصورة المثلى لأب لا يغيب حتى في وجوده في المسافات البعيدة.

في الزمن الجميل، كان للأصوات رنة الناي في جلسة العشاق، وكان للوجوه سحنة السحابة الممطرة، وكان للعيون بريق الأفق، وبرتقالة الشمس وهي ذاهبة إلى مكانه الأنيق في قلب الكون.

في الزمن الجميل، هناك صيحة ذاكرة لم يثقبها ضجيج ولم يعمرها عجيج، هناك كان يمكث تاريخ، مزين بأحلام الناس الطيبين، مزهى بأغنيات رجال لم يغادروا المرحلة، ولم يتسببوا في الفراق والابتعاد عن مسؤولياتهم الأخلاقية، وهناك رجال لم تغرق قواربهم موجات الفجر، ولم تخيط ثيابهم بالمقلوب حائكات النواصي المتطرفة، بل كانوا يخطون على الثرى بتؤدة وسلام، يملأهم الحب، فيفيضون به ويهبونه للأبناء، وهكذا تستمر القافلة محملة بزاد الحياة الجميل، ذاهبة بالمعاني النبيلة إلى العالم بكل ثقة وثبات.

في الزمن الجميل، كان الأب مثالاً، واليوم تمثالاً، كان نموذجاً، واليوم طائرة ورقية تعبث بها رياح نسيان الدور والمهمة.

في الزمن الجميل، كان الابن يضع (غترة) الأب على رأسه مقلداً منتمياً إلى النموذج والمثال، واليوم قصة الشعر الحلزونية، لا تسمح بذلك وإلا ضاعت مهمة التجوال أواخر الليل وفي منتصف الطرقات المبهرة.

في الزمن الجميل، كانت البناطيل ممزقة لضيق الحال، واليوم ممزقة بفعل فاعل، أراد فقط التباهي وتحطيم ثوابت الزمن.

في الزمن الجميل، كان للابن كلمة، وللأب كلمات، ولا تصادم بين المنطقتين، اليوم رفعت الأقلام وجفت الصحف، ولم يبق غير الصمت ومتابعة المشهد، والصدمة تحرك مكامن القلب.
نقلا عن الاتحاد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

آباء الزمن الجميل آباء الزمن الجميل



GMT 09:11 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام قطرية – تركية لم تتحقق

GMT 09:06 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

تذكرة.. وحقيبة سفر- 1

GMT 09:03 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

عندما تصادف شخصًا ما

GMT 08:58 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

اختبار الحرية الصعب!

GMT 00:41 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

وماذا عن الشيعة المستقلين؟ وماذا عن الشيعة المستقلين؟

GMT 21:45 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

أترك قلبك وعينك مفتوحين على الاحتمالات

GMT 20:00 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

مطعم "هاشيكيو" الياباني يغرم كل من لا يُنهي طعامه

GMT 13:11 2019 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

"جيلي الصينية" تكشف مواصفات سيارة كروس "جي إس"

GMT 05:09 2015 الخميس ,05 آذار/ مارس

انطلاق فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب

GMT 05:58 2015 الثلاثاء ,10 شباط / فبراير

سلسلة "جو وجاك" الكارتونية تطل عبر شاشة "براعم"

GMT 22:28 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

جورجينا رزق تبهر الأنظار في أحدث إطلالاتها النادرة

GMT 21:17 2017 الثلاثاء ,18 إبريل / نيسان

حارس نادي الشعب السابق ينتظر عملية زراعة كُلى

GMT 22:33 2013 الأحد ,28 إبريل / نيسان

"إيوان" في ضيافة إذاعة "ستار إف إم"

GMT 13:10 2013 الجمعة ,08 شباط / فبراير

الحرمان يطال 2.3 مليون طفل في بريطانيا

GMT 07:27 2020 الجمعة ,10 تموز / يوليو

"إم بي سي" تبدأ عرض"مأمون وشركاه" لعادل إمام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates