بقلم : علي أبو الريش
قلنا من قبل (اللي بيته من زجاج، ما يرمي بيوت الناس بالحجر)، وقلنا أيضاً أي حضارة، أو دولة، أو نظرية، تذهب خارج بيئتها، تتحطم على أحجار توسعها، وجشعها وطغيانها. الآن إيران تشهد شرارة حارقة خرجت من تنور الاحتقان، هذه الشرارة قد تصبح جمرة، والجمرة قد تتحول إلى حريق هائل يأتي على الأخضر والأصفر، وفي إيران هناك الكثير من الحشائش اليابسة جراء التفرقة والإقصاء والإلغاء والكبت والنعرات والثغرات الاجتماعية التي خلفتها النظرة الأحادية، والوقوف عند النواصي الحادة والجارحة التي حولت شعباً بأكمله إلى عباءة سوداء، تلف تحتها فحم التاريخ المأزوم بأحزانه وأشجانه وأوزانه الثقيلة والمرهقة والنزقة والمهلكة والمستهلكة.
ما فعلته إيران أشبه بمن يسعى إلى قطف حبات الذهب من كومة ترابية، وهو معصوب العينين، لا شك أن الفرحة غمرتها وهي ترى دولاً عربية تتهاوى تحت ضربات الخريف العربي؛ وهذا ما سرها كثيراً؛ لأسباب تاريخية؛ وعنصرية، لكن ما كل ما يلمع ذهباً. وإيران المغرورة بثورتها مثل طفل غرير لابد أنها سوف تصحو على واقع يغاير تماماً هذا الوهم ويناقض خيالها الواسع، فإمكانيات إيران لا تؤهلها لتبوء منطقة أوسع من جغرافيتها، ولكن عشاق اللغو واللهو والعبث في الوحل صوروا لأنفسهم كما لغيرهم أن هذه الثورة قادرة على اختراق الضوء والوصول إلى أقصى حالات المدى الإنساني، في حين أن الثورة التي امتطت جيادها إيران لا تعدو أكثر من فقاعة أيديولوجية مصبوغة بلون قاتم لا يمكن للعالم أن يمشي مدى الحياة وهو مغمض العينين، معتقداً بذلك أنه يستطيع أن يصل إلى النهر.
فهكذا أيديولوجية فاشلة بالمعنى العملي، لأنها لاتصل إلى العقل، فهي تتعرقل لمجرد ملامستها القلب، الذي بدوره، يلفظها، لأنها تستفز المشاعر، لمجرد أنها تفوه بأسماء أشخاص، وتسيء إلى أشخاص آخرين هي في النهاية لعبة تراجيدية الهدف منها ترسيخ الخدعة البصرية، وذلك لتكريس حكم أفراد وتوطيد سطوتهم على حساب الملايين من البشر ونحن إذ نعيش زمن تجاوز حدود الشخصانية، ووصل إلى فضاء لا حدود له، فمن المستحيل أن تمر اللعبة الجهنمية، لأن العقل البشري أصبح أوسع من كل النظريات المغلقة وأصبح الإنسان يملك من البصيرة ما تؤهله لاكتشاف الكذبة ودحضها.
إذاً على إيران أن تنزع هذا المعطف الأسود، والنظارة الداكنة وتبحث عن حل لأزمتها الداخلية من خلال تحطيم الحواجز النفسية بين أبناء الشعب الواحد وأن تعيش مع الآخر من دون أقنعة ولا سيناريوهات، مدبلجة ومحندلة بسرابيل أطول من السراويل ما يجعلها من الأسباب المعرقلة للتفكير لدى منظري الثورة الإيرانية.