بقلم : علي أبو الريش
يقول وليم شكسبير: ما فائدة الأسماء، هذه وردة، سمّها ما تشاء، ستبقى عطرة.
الاسم في حد ذاته لا قيمة له، ولكنه مفيد في الإشارة إلى الأشياء، فلو ألقيت حجراً في الماء، فسوف ترى مجموعة تداوير، لكل دائرة محيط، ولكن كل محيطات الدوائر، تجتمع حول مركز واحد. هكذا نحن البشر، لكل واحد منا اسمه الذي هو محيطه، ولكن المركز هو الكون، نحن نشترك مع الكائنات الأخرى، من حيوان وطير وشجر وحجر، في كون واحد الذي هو مركزنا، وجوهر الوجود هو الحب. الوجود سمكة عملاقة، تسبح في بحر الحب. كل الكائنات دوائر، تحيط بمركز واحد، لو تخيلنا اختل هذا المركز، فإنه من الطبيعي أن يختل توازن الكائنات، من الطبيعي أن تصبح الفوضى في الكون عارمة.
مشكلة الإنسان، اعتقد أنه مركز الكون، وكل ما عداه، هم كواكب تدور حول فلكه. لذلك افترق الإنسان عن الإنسان، اغترب عن الطبيعة.
وكما أنه عادي الإنسان الإنسان، فإنه لم يبخل في عدائه للطبيعة. لم يقصر في جهد من أجل تحطيم الآخر، ليحافظ هو على مركزه في الكون كما توهم. الوهم سر العملية في علاقة الإنسان بالإنسان، وعلاقته بالطبيعة. لقد توهّم الإنسان منذ فجر التاريخ أنه يعيش على مركز الكون، وبعد حين من الزمن اكتشف أن الأرض التي يعيش عليها، ما هي إلا كوكب من كواكب مركزها الشمس ومن مركزية الأرض إلى مركزية الذات، بات الأمر مثل من يجلس على حبل أرجوحة. لم يستطع الإنسان التحرر من عقدة المركزية، لم يتخلص من جرثومة الأنا المتعالية
. ولم يزل يرتكب الأخطاء الفادحة. وهو يتخيل نفسه أنه الكائن الأوحد على وجه الأرض، هذا الإحساس أدى به إلى فقدان السيطرة على الأنا، التي شطت وشطحت وأشاحت بوجوم عن حقيقة مفادها أن الإنسان فرداً باسمه كلياً في جوهره. الإنسان يعتمد على الطير والشجر، والحيوان والنهر والبحر، في مأكله ومشربه. الإنسان لكي يدلل على دونيته أمام الكون، أبدى اعتراضه على صغر حجمه، فسارع في بسط نفوذ الذات، وتمحور حولها، فإذا به يكتشف أنه أضعف من جناح بعوضة، ولكنه بدلاً من الاعتراف بالحقيقة. نكص إلى وحشيته وأنانيته، فأعلن عصيانه وعدم امتنانه، كونه جزءاً من الوجود وليس كله، هل كان جنكيز خان، أو هتلر، أو موسوليني، أو نابليون، مراكز؟ لو كانوا كذلك لما فنوا.
الوجود يبقى، والذات تذهب، الجوهر راسخ، والأنا في حال الذوبان. أن نعيش الحب بإيمان، نفتح حديقة الوجود، ونرى الأزهار تتفتح، والأشجار تتسامق، والجداول تغسل أجنحة الطير وتختفي الأنا وتزول الكراهية، وتصبح الكرة الأرضية غرفة مؤثثة بالسعادة.