بقلم : علي أبو الريش
كان يمكن لقطر أن تنجو من النفق، وأن تعبر النهر بنجاح وفلاح وصلاح، لولا ابتلاؤها بداء الوهم الخبيث.
هذه الدولة الصغيرة التي حباها الله بثروة طائلة، لو استمرت في هذا المال الجزيل في إنماء قدراتها المجتمعية، وتحقيق أحلام شعبها بالعيش الكريم، ووضع الخطط التنموية في مجال التعليم والصحة والخدمات. كل ذلك لم يحدث، لأن النظام هناك أصيب بعقدة البارانويا، وأعتقد أن قطر بإيوائها مرتزقة العالم، وعمال الأجندات الخرافية، يستطيع أن يتحكم في الإرادة الدولية، وأن يمسك بزمام القرارات الكبرى، وأن يتربع على عرش الزمان، وتغيير مفاصل التاريخ الإنساني، ونسي هذا النظام أن ما بُني على باطل فهو باطل، وأن حرق المراحل هو مثل طفل يحاول القفز على الحبال، مقلداً متسلقي جبال الهملايا. حقيقة عندما رضخ هذا النظام لوساوس شيطان الكلمات المتقاطعة، واعتبر القرضاوي بوذا المخلص، فقد وقع في مصيدة الأنا الواهمة، وانسحق تحت تنظيرات عضو الكنيست الإسرائيلي المتخفي بلباس (مانديلا فلسطين)، وشتان ما بين الضوء والظلام، شتان ما بين الصدق والكذب.
اليوم يحتال النظام القطري، ويحاول التملص من حبال الكذب، بالوسيلة نفسها، أي الكذب، للتخلص من ورطة الانهيار الداخلي، وكي يجد متنفساً له بعد أن سدَّت العزلة أنفاسه، وأطاحت مخالب حراسه، ووصل إلى حافة الهاوية، فحبل الكذب لا يطول مداه، حتى وإنْ استخدم صاحبه حبلاً من المطاط، لأنه كذب، ولأنه يخالف المنطق، ولأنه جسد بلا روح، والأجساد عندما تفارقها الأرواح، تصبح جثثاً مآلها العفن والتحلل، والذهاب إلى زوال.
لم يفهم النظام القطري هذه المعادلة الطبيعية، لأنه وقع فريسة مسيلمة الكذاب الذي يقول ولا يفعل، ويعد ولا يفي بالوعد، ويتعهد ويخون العهد، فذاك مسيلمة، وهذا ابن ميمون القداح، وكلاهما أوهم النظام الغارق في أنوات التورم، بأنه يستطيع أن يكون على رأس دولة عظمى، لو أغرق المنطقة والجيران، بدماء الغدر، والالتفاف على الحقائق، ونقول له: دول المقاطعة ماضية في مشروعاتها الوطنية والإنسانية، وعاصفته ما هي إلا زوبعة في فنجان، ومحبو الحياة هم الباقون، والسوداويون سيذهبون إلى الجحيم. ومن يتسلق على أكتاف الحقيقة، لا بد أن تلفظه الحقيقة، كما تلفظ نوى في مكبات التاريخ ونفاياته العفنة. ومهما استأجر نظام قطر من منظمات رخيصة، واستهلك من شعارات، فإن الجبال لا تهزها الريح، مهما عصفت، ومهما نسفت، لأنها أوتاد الحياة، وأركان الحقيقة
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد