بقلم : علي أبو الريش
في جلسات النقد الروائي، التي دارت في مؤسسة العويس، سمعنا كلاماً كثيراً عن أدب الشباب، وبالأخص عن الأدب الروائي، ولكن لم يقل أحد شيئاً. فالكلام فيض من سيل، والقول شحيح، لأن من تحدثوا، كانوا يلقون الكلام جزافاً ومن دون التحري والدراسة الموضوعية التي تفيد، ليستفيد من يوجه إليه الحديث. أمر يبعث على الألم أن تصبح الساحة الثقافية، عراء تصول فيه الكائنات (الناقدة) على غير هدى، ويصبح الشباب فرائس، تتناهشهم أساليب النقد السطحي التي لا تمت للنقد بصلة، بقدر ما هي انطباعات شخصية، لأفراد دخلوا هذا المجال، عبر حبال القفز على المراحل، وتحويل النقد إلى آلة هدم عدمية وعبثية، الهدف منها أولاً فرد عضلات لإثبات أن الناقد موجود، برغم أنف من يقسمون أنه لا وجود للنقد في هذه الساحة وثانياً، إثبات أسلوب الأستذة والوصاية على العقل، والاستيلاء على إرادة هؤلاء الشباب الذين نتعشم فيهم خيراً، مهما بلغت في الآخرين من فوقية واستكبار.
أما يحدث هو أسلوب إقصائي وإلغائي؛ الهدف البقاء على وضعية القرفصاء والمثول أمام ماضٍ تولى، واعتباره حاضراً، والسير بالعقل نحو مسافات لا تبعد كثيراً عن العتمة، لأجل حرمان الشباب من الإطلالة على المستقبل من خلال نافذة الأمل، بعيون تمتلئ ببريق الحب لعالم يتجدد ويجرب، ويخوض المحيط بسواعد لا تتوقف عن الحركة. منْ أطلقوا على أنفسهم لم يفهموا أن العقل يمر بثلاث مراحل، مرحلة الطفولة، ثم الشباب، ثم الشيخوخة. من تثبت عند المرحلة الأخيرة يريدون أن يسحبوا العالم بأسره إلى هذه المرحلة اليائسة، ويضعوا الشباب في نفس الخندق المعتم، ومن يفكر في الإفلات يحكم عليه بالفشل. ما أود أن أقوله، أنه لو صمت هؤلاء وتركوا الشباب وشأنهم، أعتقد أن هؤلاء سوف ينجزون مشروعاتهم، ودون ضجيج بنجاح، وليخطؤوا، وهذا ليس عيباً، المهم أنهم يمضون في الطريق بالتراكم، سوف نقرأ أعمالاً لها قيمة إبداعية مبهرة، المهم أن يصمت هؤلاء، (النقاد) وألا يرموا الأحجار في طريق القافلة. الإمارات ولادة، والشباب يملكون من القدرات الإبداعية، ما يؤهلهم أن يبدعوا ويبلغوا ما يفكرون فيه، فالمياه لا تصبح ضحلة، إلا عندما تخوض فيها الأيدي الملوثة، والطيور لا تكف عن التحليق إلا عندما تعرقلها شباك المتصيدين، والوجوه لا تشوشها إلا المرايا المكسوة بالغبار. والأحلام لا تصبح أوهاماً إلا عندما يقف الإنسان خارج منطقة الوعي. لا يسقط الأدب إلا عندما يعثره ناقد متطفل على النقد. فلا تئدوا الأحلام، إنه مثل وأد الأرواح، جريمة لا تغتفر.