اليقين إيمان أعمى

اليقين إيمان أعمى

اليقين إيمان أعمى

 صوت الإمارات -

اليقين إيمان أعمى

بقلم : علي أبو الريش

«إن كل ما أعرفه ما هو إلا حبة رمل، أما ما لا أعرفه، فهو بحجم رمال العالم» بوذا.

وجاء رجل إلى فولتير، وقال له إن أحد العرفانيين، يعرف كل شيء. فرد فولتير: أهو غبي إلى درجة معرفة كل شيء.

أما سقراط، فقال: الشيء الذي أعرفه جيداً هو أنني لا أعرف شيئاً. إذاً من يعرف كل شيء، فهو لا يعرف شيئاً، ولكن للأسف، فإن في زماننا الحاضر، الجهلة صاروا فقهاء، يفتون في كل شاردة وواردة، هم موسوعيون في اليقين الوهمي، وهم يملكون مساحات واسعة من اللاوعي، بحيث أصبحوا يخلطون ما بين الحلم والعلم، ويمزجون ما بين المعرفة والخرافة، ما أدى إلى

الفوضى في الإفتاء، ليس في العلم فحسب، وإنما حتى في الدين، الأمر الذي أفلت الزمام، وصار الجاهل عالماً، وفيلسوفاً، ومفكراً، وتمتلئ اليوم الشاشات الملونة بوجوه سطعت سطوع النجوم، تصول وتجول في فضاءات العالم، متبخترة، متفجرة جهلاً، والناس احتاروا من يصدقون، ومن يكذبون، لأن الكذابين لديهم من أدوات الكذب، والهراء، والافتراء ما يدهش، لكنه في حقيقة الأمر، أشبه ما يكون، مثل مساحيق التجميل التي تخفي تحت أصباغها وجوهاً قبيحة، وقميئة، تشمئز منها النفس، ويرتجف لها القلب.

ما يحدث في العالم اليوم من عنف وخراب وإسالة دماء، ليس إلا نتيجة للإيمان الأعمى، والثقة العمياء، التي وصل إليها فقهاء العنف، ومفتو الإرهاب الذين ضلوا، وضللوا، وجلجلوا، وزلزلوا، وبلبلوا، وأشاعوا فكر السراب، واليقين المزيف. فلا أحد يقول، لا أعلم، ولا أحد يطرح الأسئلة، فالكل يجيب، والكل لديه ما يقوله، وبيسر وفصاحة لسان وبلاغة كلمة، ونبوغ في التنطع، لأنه لا قانون يردع، ولا حكمة تشفع، ولا ضمير يمنع، ولا وازع يقف حيال هذا السيلان من المعارف الوهمية واليقين المصطنع، وهكذا، فقوارب صيد الأوهام تتلاطم في محيطات الغي، وأسماك الحقيقة تهرب إلى مآل آخر، بحثاً عن ملاذ أمن يحميها من طغيان الافتراس الممنهج.

في هذا الزمن، اختلط الحابل بالنابل، وصار الجهلة يمتطون أفراس الانتهازية، ويقارعون الريح، لأجل المزيد من التوسع والوصول إلى مناطق شاسعة من الجماهيرية، لأن المجال يسمح، والقنوات الفضائية تفتح أبواقاً واسعة، بل أوسع من الصحراء.

في هذا الزمن صمت العلماء، وتمطق الجهلاء، وصارت ألسنتهم مثل سجادات بالية تخفي في صوفها حشرات المرض، والموت.

صار هؤلاء، ينتفخون مثل الحمل الكاذب، وينتشرون مثل الوباء، ويتوسعون مثل الاحتلال البغيض.

هؤلاء السبب والنتيجة لتخلفنا، وانحطاط ثقافتنا، ووصول العالم الإسلامي إلى الدرك الأسفل من النار. هؤلاء، هم الذين أخلونا في دائرة الصراع الوجودي مع الإرهاب، لأنهم طمسوا الحقيقة الدينية بجهلهم، وأشعلوا نيران الفتنة في ديار المسلمين. لو قال أحدهم لا أعلم لأراح واستراح، ومن قال لا أعلم، فقد

أفتى.

هؤلاء لا يريدون أن يقولوا، لا نعلم، وأن يكفوا عن قول ما لا يقال، لأنهم وجدوا اللذة في القول، والمتعة في الإفتاء، والسعادة في الخوض في المياه الضحلة، ونشر الغسيل في نهار مغبر.

في هذا الزمان، يضيع البرهان، وترتفع أصوات الخوار، وتشيع فاحشة التعالي على المعرفة، ويصبح اليقين يقين السطوح العارية من الصدق، والمعرفة الحقيقية.

في هذا الزمان، لا حدود التطاول على الحقيقة، ورحم الله ابن رشد الذي حذر من الحشويين، والانتهازيين، والوصوليين، ودهاة التحايل على الدين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اليقين إيمان أعمى اليقين إيمان أعمى



GMT 09:11 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام قطرية – تركية لم تتحقق

GMT 09:06 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

تذكرة.. وحقيبة سفر- 1

GMT 09:03 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

عندما تصادف شخصًا ما

GMT 08:58 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

اختبار الحرية الصعب!

GMT 00:41 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

وماذا عن الشيعة المستقلين؟ وماذا عن الشيعة المستقلين؟

GMT 21:45 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

أترك قلبك وعينك مفتوحين على الاحتمالات

GMT 20:00 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

مطعم "هاشيكيو" الياباني يغرم كل من لا يُنهي طعامه

GMT 13:11 2019 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

"جيلي الصينية" تكشف مواصفات سيارة كروس "جي إس"

GMT 05:09 2015 الخميس ,05 آذار/ مارس

انطلاق فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب

GMT 05:58 2015 الثلاثاء ,10 شباط / فبراير

سلسلة "جو وجاك" الكارتونية تطل عبر شاشة "براعم"

GMT 22:28 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

جورجينا رزق تبهر الأنظار في أحدث إطلالاتها النادرة

GMT 21:17 2017 الثلاثاء ,18 إبريل / نيسان

حارس نادي الشعب السابق ينتظر عملية زراعة كُلى

GMT 22:33 2013 الأحد ,28 إبريل / نيسان

"إيوان" في ضيافة إذاعة "ستار إف إم"

GMT 13:10 2013 الجمعة ,08 شباط / فبراير

الحرمان يطال 2.3 مليون طفل في بريطانيا

GMT 07:27 2020 الجمعة ,10 تموز / يوليو

"إم بي سي" تبدأ عرض"مأمون وشركاه" لعادل إمام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates