بقلم : علي أبو الريش
دائماً يصدمك الكثير من الناس، عندما يقول لك أين الحقيقة؟ أو يقول لك إنني باحث عن الحقيقة. نظن دائماً أن الحقيقة تكمن في مكان ما بعيداً عنا. بينما هي موجودة ومتوافرة بكثرة في داخلنا. مختبئة هناك في العمق، نحن الذين نهرب منها، ولا نريد أن نراها، لأن في انكشاف الحقيقة، تبرز مخلفات كثيرة، وتطفو على السطح نفايات من أزمنة قديمة، لو وضعناها على الطاولة، سوف نصعق، ونصاب بالرعب، لأنها سترينا من نحن، وسوف توضح لنا السبب الجوهري لتصرفات دائماً ما نقول عنها إنها جاءت هكذا بالمصادفة. لا شيء يأتي بالمصادفة، المصادفة نفسها نتيجة لالتقاء سلسلتين من الحتمية.
الحقيقة مرآتنا الحقيقية، لأنها ترينا الصورة الآنية التي نحن عليها، أما غير الحقيقة، فهو الوهم، هو الصورة الفوتوغرافية التي تنقل لنا صورة معدلة بعد المونتاج.
عندما تظهر الحقيقة، فإنها البرق الذي يشع في الداخل لينذر بنزول المطر، المطر هو تنورنا، هو الإضاءة التي نصل لها إلى النهر لنرشف عذوبة الحياة.
الحقيقة ليست الحلم، الحلم يأتي في المنام، وتحت جنح الظلام، يتسلل تحت الملاءة، مثل اللصوص، لينقل لك صورة أو خبراً مفبركاً، فقد تفرح أو تحزن، لكن المصدر كاذب وأفاك ومحتال، لأنه جاء ليزيحك من نفسك، ينقلك إلى منطقة أخرى هي منطقة الزيف.
الحقيقة لا تتصالح أبداً مع الزيف، لأنها نابعة من الجوهر، هي قادمة من الفطرة البكر، بينما الحلم جاء من شارع مزدحم بالخبرات والأفكار، والمعارف والمفاهيم.
الحقيقة غير، هي صفحة بيضاء ناصعة من غير سوء، الحقيقة ليست في الخارج كما هو الوهم. فالوهم من صنع الآخرين، هم الذين صنعوا هذا الذئب الشرس لكي تقبل أن تكون جزءاً، وألا تكون لك ذات منفردة لها معالمها وسماتها وصفاتها، وفي الوهم أنت كائن ممسوخ، والحقيقة منك براء. أنت في الحقيقة بحر، وفي الوهم بحيرة. في البحر لا تعيش الطحالب، بينما في البحيرة فإن رائحة الكائنات الميتة تزكم الأنوف، تستطيع أن ترى الحقيقة في داخلك عندما تتحرر من الوهم ومن صوره الوهمية.
الحقيقة في داخلك نقية، صافية، براقة مثل المرايا الجديدة التي لم يلمسها الغبار. التاريخ الشخصي هو الذي يرش حفن الطين ليملأ داخلك كميات من الرواسب، تصبح بعد حين صخرة ضخمة ليس من السهل إزالتها. التنور يحتاج إلى قدرة هائلة على الإدراك الذي يطلق عليه حكماء الشرق بالتأمل. فعندما تدرك ما يجيش في داخلك تصل إلى النور الحقيقي، تصل إلى الحقيقة.
أنت بالإدراك تقوم بتحليل نفسك من دون الاستعانة بمحلل نفسي.