بقلم : علي أبو الريش
في الماضي، في الإرث الجميل، إذا مرت عاصفة وحملت معها جزءاً من سقف الخيمة تعاون الرجال من الأهل والجيران وهموا بإصلاح ما أتلفته العاصفة، ولا يمضي وقت قصير إلا تعود الخيمة المغدورة إلى صباها مكللة بنشوة الانتصار على فساد الدهر.
هذه القيم كانت جزءاً من أخلاق الناس الطيبين، وكانت العلاقة أبوية موشومة بلذة العيش بين الأفذاذ الذين تنمو أحلامهم على مخادع الألفة والإحساس بالأمان بين الإنسان والإنسان. الروح الجماعية تطوق الأعناق وتزين الأحداق، وتجعل الأشواق مثل شجرة السدر، تضم بين أوراقها الشفيفة أعشاش الطير.
في الماضي، والناس في القرية، أو ما يشبه المدينة، بين أحضان الجبل أو عند خاصرة البحر أو في كنف الصحراء، كانوا جميعاً يرتعون في مهج الطبيعة مثل غزلان برية، مشاعرهم مثل ماء النهر، مثل عيون النبع، أصفياء أنقياء يتلون آيات الكون بقلوب أصفى من عيون الطير وأنقى من براءة النخلة.
عندما ننظر اليوم، إلى الإنسان الإماراتي، وهو ينهل من ذاك الغدير ويسكب الرحيق في وعاء علاقته بالآخر لا يساورنا الشك في مدى قوة المعنى في ذاك الماضي، وما له من أثر طيب على أخلاق الجيل الحالي، وإن اختلفت الظروف والصروف إلا أن المعدن النفيس لا بد وأن يعبر عن أصله وجوهره.
نحن اليوم، نطالب أنفسنا وأحبابنا من أولياء الأمور والآباء والأمهات الذين أدركوا ذلك الزمن بأن يضعوا شبابنا أمام مسؤولياتهم الوطنية والتاريخية، وأن يحملوهم الأمانة، لأن تكون، طوقاً في أعناقهم فخيمة الوطن بحاجة إلى سواعد الأبناء لأن تكون هي الوتد، وهي العضد، وهي العمد والسند والسعد إلى الأبد.
الوطن بحاجة ماسة، إلى أكتاف الأبناء، كي تكون الجدار والستار من أجل مسار لا ينحني ولا ينثني ولا ريح تعرقله ولا تبريح يجلجله، الوطن بحاجة إلى درس الماضي، لأنه الأفضل من كل النظريات والمنظرين، الماضي قدس الأقداس أن وضعناه نصب أعيننا، انتصرنا على كل مزايد، وعلى كل مخاتل ومتحايل وكل أفاك أثيم وكل معتد أثيم.
ماضينا ضميرنا الحاضر علينا أن نستدعيه في كل ظرف ومن دون استثناء ومهما قيل في الصحائف والكتب يظل الماضي، هو المعجم الذي منه نستقي الفوائد في حسن السلوك وطيب المعشر.
ماضينا كتابنا وسجل معارفنا وأفكارنا وكل ما نلمسه اليوم من ترابط في مجتمعنا هو نتيجة مباشرة، لذاك الإرث الرائع وتلك المنظومة الثقافية الجليلة. وحتى لا ننسى أو نتناسى يجب أن يحضر وعينا دائماً، ونحتفي بالماضي في مجالسنا وملتقياتنا واجتماعاتنا ومؤتمراتنا ومحاضراتنا، وكل منا تعلق على عاتقه، هذا الالتزام الأخلاقي حتى تستمر المسيرة بسلام النفوس وطمأنينة القلوب واستقرار العقول.