بقلم : علي أبو الريش
لا تبحث عن الحقيقة، بل تخلص من الأفكار «من فلسفة الزن»
ما يحدث بين الناس من صراع، هو من نبت الأفكار، الأفكار التي تقودك إلى المقارعة. ويقول المثل القديم إن الإنسان يقبل بكل نقص، عدا نقص العقل. لا أحد يقول أنا مجنون، وقد يشكو الإنسان من أي علّة إلا علة العقل، لأنها تلمس الأنا، ولأنها جاءت من الشخصية. لماذا نقول إن خصام الأطفال أرحم من خصام الكبار؟
الأطفال، لم يزل العقل لديهم في مرحلة النشوء، إنه صفحة بيضاء، لم تلوث بالأفكار ولم تملأ بمخلفات التاريخ. بينما الكبار حشيت أدمغتهم بالخشب ونشارته، وصاروا كيساً بلاستيكياً، قابلاً للتمزق في أي لحظة، ولأي ظرف تاريخي. الإنسان يحمل الأفكار ليكوِّن شخصيته، ومع نمو الشخص تصبح الأفكار هي الشخصية، ومن يمس فكرك، فكأنه مسك أنت، وهكذا تبدو الأمور لدى من يحملون الأفكار، ويعيشون الدور وينغمسون، في الفكرة، وتصبح هي هم، وهم هي.
ومنذ سالف العصور، والإنسان يبحث عن الحقيقة، في الخارج، من خلال الأفكار، والحقيقة هنا، في داخلنا، هي ليست موجودة في المريخ، أو في أي كوكب آخر، هي في المجموعة الشمسية التي تسكننا. أنا وأنت الحقيقة، وكل ما يتطلبه الأمر، أن نتوقف عن نزف الأفكار، وأن نمنع تسرب الحقيقة من الداخل، لأننا لو ظللنا البحث في الخارج، سنصبح مثل الذي يتبع السراب، فإذا به يذهب إلى لا شيء. لو فهم الإنسان حقيقته، فسوف يدرك ما حوله ويقترب من قدراته، وإمكانياته، وبالتالي لن يأخذ مقلباً في نفسه، ويعتبر أنه مالك الحقيقة وغيره على خطأ.
مجمع الأفكار، هو الذي أوحى للإنسان فكرة، التفوق على الآخر، ومقارعته، ولو اكتفى الإنسان بإمكانياته الحقيقية، وتجاوز الخيال الفج، والأوهام، لاستطاع أن يعيش بلا صراع، المشكلة، تقع في الخدع البصرية، والصور الوهمية التي ترسلها الأنا بدافع الانحياز، والأنانية، وهذا ما يجعل الناس يسعون إلى الانتماء إلى الأفكار، لا إلى الحقيقة.. لا يمكن أن تكون واعياً، وأنت مزدحم بالأفكار؛ لأن هذه الأفكار، هي ليست لك، جاءت لك واحتلت مكاناً في عقلك، أما الحقيقة، فهي لك، هي ملكك، هي في داخلك، خلقت معك ولم يقحمها الآخرون في داخلك. الأفكار مثل المساحيق، على وجه قبيح لا تستطيع أن تغير شيئاً، بقدر ما تلون. نحن مشكلتنا مع الألوان، نذهب إليها بعيون، مغشية، بسحابة داكنة، من الصور الوهمية، ومن ثم نضعها على الحائط، ونظل ننظر إليها وكأنها الحقيقة، بينما الحقيقة تكمن في مكان، ونحن نكون في مكان آخر. ولو كانت الأفكار مجدية لاستطاع الإنسان أن يحقق ولو جزءاً من أهدافه السامية، وهي التحرر من التعاسة، والكراهية.
أما الحقيقة، فهي السيولة التي تذيب ملح الحياة، تجعل الموجة، تختفي لتتلوها أخرى، هي الاتساع الذي يفسح للأشجار كي تعلو وتفيض بالانتشار.