لا تحدد شخصيتك

لا تحدد شخصيتك

لا تحدد شخصيتك

 صوت الإمارات -

لا تحدد شخصيتك

بقلم : علي أبو الريش

كن كالمحيط، كن كالصحراء، لا تتحدد، الحدود فقط للأشياء الجامدة. عندما تتحدد أنت تكون أفكارك مثل قصاصة الورق ممزقة، وخفيفة وسريعة الاحتواء، والرمي في سلال المهملات. توسع، وكن فضفاضاً ليدخلك الهواء النقي، فتنتعش، وتصبح مثل الفراشة التي تتنقل من وردة إلى وردة، وتحلق بجناحين شفافين. حياتك ملكك، فعشها بكليتها كن متكاملاً. وسوف تنضج الثمرات في داخلك. كن فردانياً، تكن شخصانياً، الفرد هو أنت، والشخص هو الآخر الذي سكن فيك، واستوطنك، وجعل منك، كهفاً، غائراً في أحشاء جبل في أقصى الوجود.

عندما تكون فردانياً، فإنك تتحرر من أفكار سابقة، وذاكرة مثقوبة تضم بقايا صور، وأسماء، وأحداث، ونفايات تاريخية، تكرس أحزاناً، وأدراناً وأشجاناً تكون محدداً بتاريخ، ومكان ومعارف، ومفاهيم ورغبات، وأفكار. عندما تكون محدداً، فأنت في داخل الإطار، وداخل محيط الدائرة.

نجح جاك دريدا، في اختراقه الغرف المغلقة، وحقق هذا العبقري، فوزاً باهراً، بهذه المجازفة الرائعة.

لا يمكن لغير تفكيك الفكرة أن يضع الإنسان أمام مسؤولياته في الوجود، ولا يمكن أن يصبح الفرد موجوداً بغير وجود الذات المنفتحة، على الوجود. كيف استطاع الإرهاب أن يكون، ظاهرة كونية، لولا وجود الصناديق القديمة، والمغلقة، الصدئة، التي حملت الثوابت الوهمية، وانتقلت إلى كل مكان بسرعة البرق، وأدت إلى حرق النجوم، وإفساد الفضاء العالمي، وتحويل الحياة إلى فرن يحرق ويسرق البهجة من عيون الأطفال الذين تحددوا، هم مثل البحيرة الصغيرة، التي تسربت من المحيط، لتقع على بقعة ضيقة، ومعزولة، ومنجرفة باتجاه التلاشي.

الشخص المحدد ذهب مع القطيع ليرعى العشب اليابس، بعد أن جفت منابعه، وعجفت مرابعه، ولم يعد أمامه، سوى الانزواء، والارتواء من الضحالة. الشخص المحدد اكتفى بغرفة واحدة من الفناء المتعدد الغرف، وانكفأ معزولاً، وفي هذه الغرفة كان منامه وشربه وأكله، ولبث هكذا حتى فاضت الفضلات في الغرفة الضيقة، ولم يسعه إلا أن يلعن العالم، بدلاً من أن يخرج، ويتحرر من بؤس ما هو فيه. الشخص المحدد لا يملك من الخيارات في الحياة فهو يجتر ما حفظ، ويهضم ما التقط مما حفظ، ولا جديد. الشخص المحدد توقف عند محطة الماضي، بعدما فاته القطار، ولم يجد أحداً من الركاب، ولما تلفت حوله شعر بالخوف وانتابته رجفة، اهتزت لها فرائصه، وبات متربصاً متلصصاً، يريد النجاة، ولكن لا جدوى لأن الظلام قد حل، ولفته العتمة، وطواه الفراغ المدلهم. الشخص المحدد مبدد بين التعلق بالماضي، وكره المستقبل. هو يتعلق بالماضي، لأنه يحمل ذاكرته القديمة، والتي لا يستطيع أي فرد أن يكشف عن غطاء صندوقها.

يكره المستقبل، لأنه يحمل مفاجآت تفشي أسرار عجزه عن الانسجام مع الآخر. الآخر يكمن هنا في المستقبل، الآخر يريد الحياة، ويبحث عنها في غضون العلاقة، الوطيدة مع معطيات الواقع. الشخص المحدد يكره التغيير لأن في التغيير تحولاً من منطقة الرواسب إلى منطقة حركة المياه، وخرير الجداول، وزقزقة العصافير، وهديل الحمام، في هذه المنطقة لا وجود للنقيق، ولا النهيق، هنا يكمن الإنسان الجديد، وتنقرض الديناصورات، والأحافير، وبقايا أدوات منزلية بائدة.‏‫

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا تحدد شخصيتك لا تحدد شخصيتك



GMT 09:11 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام قطرية – تركية لم تتحقق

GMT 09:06 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

تذكرة.. وحقيبة سفر- 1

GMT 09:03 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

عندما تصادف شخصًا ما

GMT 08:58 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

اختبار الحرية الصعب!

GMT 00:41 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

وماذا عن الشيعة المستقلين؟ وماذا عن الشيعة المستقلين؟

GMT 21:45 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

أترك قلبك وعينك مفتوحين على الاحتمالات

GMT 20:00 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

مطعم "هاشيكيو" الياباني يغرم كل من لا يُنهي طعامه

GMT 13:11 2019 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

"جيلي الصينية" تكشف مواصفات سيارة كروس "جي إس"

GMT 05:09 2015 الخميس ,05 آذار/ مارس

انطلاق فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب

GMT 05:58 2015 الثلاثاء ,10 شباط / فبراير

سلسلة "جو وجاك" الكارتونية تطل عبر شاشة "براعم"

GMT 22:28 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

جورجينا رزق تبهر الأنظار في أحدث إطلالاتها النادرة

GMT 21:17 2017 الثلاثاء ,18 إبريل / نيسان

حارس نادي الشعب السابق ينتظر عملية زراعة كُلى

GMT 22:33 2013 الأحد ,28 إبريل / نيسان

"إيوان" في ضيافة إذاعة "ستار إف إم"

GMT 13:10 2013 الجمعة ,08 شباط / فبراير

الحرمان يطال 2.3 مليون طفل في بريطانيا

GMT 07:27 2020 الجمعة ,10 تموز / يوليو

"إم بي سي" تبدأ عرض"مأمون وشركاه" لعادل إمام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates