بقلم : علي أبو الريش
(تقدّم ولا تتوقف، في التقدم يحدث الكمال). هكذا قال جبران خليل جبران، وهكذا هو النهر، لو توقف عن المشي لأصبح مستنقعاً، لا تؤمه إلا الطحالب والطفيليات والضفادع. لو توقفت الأرض عن الدوران حول الشمس، لسادَ الظلام، وحلّ التلاشي في العالم، تحرك واجعل من نفسك نهراً يغسل وجه الكون بالماء العذب، اجعل من نفسك جناحي طائر يخفق في الفضاء الرحب، ليحقق أبديته، ويمضي إلى الحياة كأنه الوجد في قلب غزالة.
تحرك لتصبح كلمة في جملة مفيدة، تحرك لتغدو فرداً خارج القطيع، تحرك لتبدو رقماً صحيحاً في مسألة حسابية، تحرك وامْنَح الحياة رونقها، فقد تقع، وقد تتعثر، كل ذلك لا يهم، الجالسون هم فقط الذين لا يقعون، لكنهم لا يصلون، وأنت وجدت لكي تصل وتتواصل مع كونك المجبول على إيصال الجملة بالجملة، حتى تكتمل رواية الحياة، فالحياة قصة طويلة لا يكمل تفاصيلها إلا الرواة الناجحون.
تحرك وانعم بقيمة النجاح، ولا تقل هذا يكفي، فهل يكتفي النهر من زخات المطر؟ هل تكتفي الأرض من الدوران؟ تحرك، وتوقف عن الإدانة والتذمر، تحرك واملأ حياتك بالتمام والكمال، فالأشياء الفارغة هي التي يعلو ضجيجها، أنت في حاجة إلى الامتلاء، حتى يصبح صوتك لائقاً، خالياً من الضجيج، حتى تصبح أنت كاملاً مثل المحيط، تحرك وآمن بأبديتك، فأنت الكائن الوحيد من بين الكائنات الذي يملك أوتاراً موسيقية، تشبه وشوشة الموجة، وحفيف الأوراق، ودندنة المطر، وزقزقة العصافير، أنت الوحيد الذي يملك لغته كما يملك عقله، دع اللغة تحرك مكامن عقلك، وشد الرحال إلى أوسع ما في الوعي، إنه ينتظرك كي تتحرك، وتكشف له القناع الواقي، ليفصح لك عن قدراته الخارقة، وتفصح له عن تجلياتك المدهشة.
تحرك، ففي الحركة مسحة إلهية تمنحك الجلال، أليس البحر جليلاً، فقط لأنه يمشط خصلات الشواطئ بمشط موجاته النبيلة، تحرك، وامض في الحياة متناغماً مع نفسك، منسجماً مع الوجود، وأسقط من ذاكرتك كل أشكال اليأس، إنها محض هراء وفيض من خيال بائس، تحرك، لتكتمل دائرة الشمس والقمر، ولترقص النجوم من حولك احتفاء بمجيئك، واحتفالاً ببهائك، فأنت بهي بحركتك، أنت جميل بجمال ما تطوق به الوجود من ابتسامة فرح، وأول الحركة هي ابتسامة شفيفة، بل أشف من رقراق الماء. تحرك، واسكب على رغيف الشغف شيئاً من عرقك، يكون في المذاق مثل رضاب شهي. تحرك، ولا تعطي ظهرك للحياة.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد