بقلم : علي أبو الريش
ما بين المتقاعس، والمشاكس، شعرة بحجم المحيط، المتقاعس طائر حط رحاله عند ضفة الإحباط، واكتفى بقبول ما هو واقع، ورمى الحمل على الآخر، وقال هذا من فعلهم وأنا مظلوم.
المتقاعس فكر في الماضي كثيراً، ووضعه سوراً عالياً لا يمكن تجاوزه، وجلس يندب الحظ، والظروف، والناس، ولم يعد بإمكانه أن يخطو خطوة باتجاه الغد، لأنه كما يمضغ الماضي، فإنه يهاب المستقبل، ويعتبره وحشاً كاسراً يقض مضجعه.
المشاكس قد يكون مزعجاً أحياناً، ولكن من دون المشاكسة لا تأتي المجازفة، وبدون المجازفة، لا تكتمل قدرات الطفل، ولا تنضج أعضاؤه، ليمشي على قدميه. نخاف من تحرك الأطفال، فننهر، ونشجب، ونوبخ، ونؤنب، ونقرع، وأحياناً نستخدم العنف، فننتج، كائنات بشرية، خاملة، وجبانة، وسلبية، لا تعرف ما هو التحدي، وإن عرفت تحاشت، وتفادت، وأغمضت العينين، واختبأت في معطف الخوف.
مجتمعات بأكملها تمارس إيقاف العجلة، وتترك الحصان يمضي بلا هدى، بينما العربة، تصطف على الرصيف في انتظار، من لا يأتي.
الإنسان هنا قالها مارتن هايدجر، ويعني الحضور القوي للإنسان في الحياة، هو الأصل، وعندما يغيب الإنسان، يصبح الوجود خاوياً، إلا من ضجيج المادة التي لا تساوي، شيئاً، في غياب الإنسان. فعندما تعلن التحدي، فإنك تحظر أولاً وعندما تحظر يتلاشى الخوف، وتصبح أنت القدرة الفائقة، التي تواجه، عقبات الطبيعة. لم يكن سقراط ذاك الرجل قوي البنية، لكنه كان عظيم النخوة، كان يملك من القدرات الذاتية، ما جعله يقبل الموت، في سبيل التمسك بقضيته الإنسانية.
مات سقراط، أو قتل بالأحرى، لكن فكرته عن الحياة ما زالت، في ذهن الغرب، والشرق، لأنه تحدى نفسه، وقاوم الأنا، فأصبح هو الكل ومن سمموه، ذهبوا في غيبوبة التاريخ. عندما تتحدى، فإنك تعيد صياغة التاريخ، وتغير من ثيمة الحياة، وتجعل من الوجود، حديقة، عملاقة، زاهية بالنمو، والارتقاء. ففي التحدي حياة، وفي التهاون، مقبرة كبيرة، أمواتها أحياء، نسوا أرواحهم، في مخزن الماضي وجاؤوا ممتلئين، بالخواء، مسربلين، بالخوف، من التحول، مكبلين، بقيود اللاءات الأليمة، مجندلين بالأصفاد، والأحقاد. لو لم تتحد الأمم ضعفها، وخوفها لنامت تحت الحفر. لو لم تتحد الأمم، لبقي الإنسان إلى يومنا هذا يقتات من أوراق الشجر، ويسكن بين الأغصان، ويناغي أخاه الإنسان بلغة الطيور.
في التحدي يعني أنك تخرج من شخصيتك التي ارتديتها، مثلما ترتدي قميص النوم، لتدخل في فردانيتك، التي هي أنت وليست غيرك. كن أنت لا غيرك، ستقبل التحدي، وتحقق طموحاتك، بيسر، وبلا عسر.