بقلم : علي أبو الريش
وطني...أنت وحدك المحيط، وأنت السوار، وأنت جملة متفردة في عالم اللغة. منذ أن شق النهر طريقه إلى الشجرة، كان القلب هناك يرتل في معجم الحب، معنى أن أكون مواطناً، وأن ألون قماشة الحياة، بريشة الانتماء، وأمضي في العالمين مزهواً بوطن لا يشبهه إلا هو، حين أقف عند ناصية الأشواق لا أجد سواك عاشقاً مدنفاً يتلو أحرف الحب على الصغار، ويكتب في كراسة المدرسة، هذا وطن الحب، فعلقوه قلادة على النحور ونسجوا علمه من حرير الصدق والولاء، ولا شيء غير الوطن يمكن أن يشذب أشجار القلب من التيه، والأسئلة الوجودية الكبرى. وطني أنت وحدك الذي تكبر وتتمدد، وتفرد أشرعة السفر في محيطات القلب، وتعلن دوماً، أنك لا مرسى لك سوى هناك، في سويداء الفؤاد، وأنا مرساتك، وأنت المرآة، كلما عاينت وجهي وجدتك في الصورة شمساً تشرق بحب الناس جميعاً، وجدتك في المشهد مكاناً تعشب فيه أجنحة الطير، ويخصب الوجود باخضرار الطموح، وتألق الغيمة، وهي تسكب الحياة في وريد الأرض، وتحيي في الذاكرة أحلام الذين أسسوا، وسيسوا، ونبسوا عن ضمير ما كان ليستريح إلا ليجد الإمارات مثل تلك النجمة الغافية على وسادة السماء، وتقرأ كتاب الخلق، وكيف بدأنا، وكيف صرنا، وإلى أين ذهبنا، ونحن نعانق العالم بأيد بيضاء من غير سوء. وطني أنت وحدك في الصحراء، تتهجى حروف الرمل، وتكتب على أديم الأرض، كيف يصبح الإنسان عظيماً، عندما ينتمي إلى وطن لا يرتشف إلا من فناجين الحب، ولا يهدي للعالم غير زهرة السوسن، تنمو على ضفاف القلوب، وماؤها من رحيق القلب، والعطر من شذا الكلمات النابتة في بتلات الزهر المنور على وجنات صحراء حالمة بالنجود، واعدة بالموجود، ذاهبة بالمعنى إلى آخر نقطة في الوجود، متوهجة بشمعات تضيئها أياد ما انفتحت، إلا لأجل العطاء والبذل واستمرار المسيرة. وطني وحدك ترسم الصورة المتجلية، وتلون الوجود بأحلام المتفائلين، والذين بالابتسامة المشرقة ينيرون الطريق كي تمضي القافلة باتجاه المستقبل، ويحظى الجيل الجديد، بمهد أثير وثير منير ولا غث ولا رث ولا كث، بل إن الحلم يمضي، والسماء مثل سجادة منقوشة بمنمنمات تاريخية ضاربة في الوجود، وها نحن هنا في قلب الوجود، نتأمل المشهد الغرائبي الفريد، ونثق بأنه لم يحدث في التاريخ أن بسق وطن على صهوة كثيب، ولكنك بلغت الربى، وتجاوزت حدود الرمال، لتقف شاهداً على بصمات الرجال المخلصين، وأثرهم الطيب، ومآثرهم النبيلة. تؤكد للعالم أنه لا مستحيل أمام صلابة الإرادة، ولا قوة تقهر العشاق حين يكون المعشوق وطناً، لا تشبهه الأوطان.