هذاءات في قصارى القول

هذاءات في قصارى القول

هذاءات في قصارى القول

 صوت الإمارات -

هذاءات في قصارى القول

بقلم : علي أبو الريش

استمعت إلى حديث وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري، وراعني ما سمعت، فالرجل تحدث عن قرار ترامب، الرئيس الأميركي، حول منع العراقيين من دخول أميركا ضمن مجموعة من الدول، وانتقد الجعفري بشدة وحرقة الديمقراطية الأميركية، وقارنها بديمقراطية العراق المزدهرة التي لا يشوبها أي شائبة بحكم أن العراق بلد يحكمه القانون، والمواطن في العراق ينعم بالحرية والمساواة والعدالة، بينما في أميركا، وتحت سلطة ترامب، أصبحت الديمقراطية مهددة بالقرارات الفردية والمتسرعة، ثم عرج الجعفري على النضال، وأن رجاله في الحكم

وزملاءه ورفاقه جاؤوا إلى سدة النظام بعد نضالات وتضحيات عظيمة، وأنا أستمع إلى هذا الحديث الناري، تخيلت أن الذي أمامي هو نيلسون مانديلا الزعيم الذي قضى في السجن عشرين عاماً في ظل حكومة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا آنذاك، هذه معضلة بعض السياسيين العرب، يعتقدون دوماً أن ذاكرة الإنسان العربي مثقوبة، ولا تحتفظ بشظايا التاريخ ولا برذاذه، ولذلك فهم يرسمون صورة كاريكاتيرية ملونة بالأكاذيب، ومزخرفة بالحيل الدفاعية التي تحدث عنها سيجموند فرويد، فلا تأخذهم لومة لائم في تلوين الأشياء، وتوصيف الأحداث، وتشكيل

لوحات جدارية تعكس مدى قدرتهم على تحويل الأسود إلى أبيض، وبقدرات تفوق الخيال، فأي ديمقراطية هذه التي يتحدث عنها الجعفري والمواطن العراقي لا يأمن على قوت يومه، ولا يطمئن إلى عودة طفله من المدرسة حياً، ودون أن تلحق به الأذى مفخخة أو قناص.. أي ديمقراطية هذه، والعراقي الذي يريد أن يذهب إلى أميركا أو غيرها، فهو لا يذهب إلى هناك كخبير منتدب لأغراض علمية أو فنية، إنه يذهب إلى أميركا، ويحلم للذهاب هرباً من بطش الصراعات الطائفية، وفراراً من الموت المجاني.. العراقي الممزق ما بين «داعش» و«الحشد الشعبي» لا يجد موطئاً آمناً في أرضه.

أرض الرافدين وبابل، أرض الحضارات الإنسانية التي لم تكن تعرف شيئاً عن قاسم سليمان إلا غير أنه رجل تائه في شوارع طهران، واليوم أصبح قائداً لفصائل ورذائل في شوارع بغداد الرشيد يأمر وينهي، ولا من يحجمه أو يلجمه.. ويبدو أن الجعفري استمرأ الغثيان كما قال سارتر في روايته العظيمة «الغثيان»، وصار يعلل ويدلل ويجلل ويجلجل، والفضائيات تفتح أفواهها مرحبة بمثل هذه التصريحات التي لا هدف منها سوى التسويق لمرحلة هي من أحلك مراحل التاريخ العراقي، حتى أنها أسوأ من الصراعات الدينية في العصر العباسي الثاني،

ونقول للجعفري ولسواه: «خفوا» علينا قليلاً، ورحم الله امرئ عرف قدر نفسه، والتاريخ ليس منخلاً يخر ما في جعبته، بل هو وعاء من ذهب لا يصدأ أبداً، وذاكرة الناس حافظة تخبئ ما يحدث ولا تضيع لأنها حافظة تمس المصير، فلينس الجعفري قرارات ترامب وغيره، فهذا لا يهم، المهم أن لا نعيب غيرنا والعيب فينا، المهم أن نتصالح مع أنفسنا قبل أن ننظر إلى الآخر وما يفعل أو ما يصدر عنه، الآخر لن يحترمنا طالما نحن ضعفاء، وطالما نحن نكذب على أنفسنا.

المصدر : الاتحاد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هذاءات في قصارى القول هذاءات في قصارى القول



GMT 15:12 2020 الجمعة ,21 آب / أغسطس

براكة... بركة الطاقة

GMT 16:04 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

رواد بيننا

GMT 13:12 2019 الجمعة ,01 شباط / فبراير

بحيرة جنيف تغتسل بالبرودة

GMT 18:55 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

الكل مسافر

GMT 20:26 2019 الأربعاء ,30 كانون الثاني / يناير

ساعات معلقة فوق الغيم

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 17:02 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

احذر التدخل في شؤون الآخرين

GMT 14:09 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

تبدأ بالاستمتاع بشؤون صغيرة لم تلحظها في السابق

GMT 21:27 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

تتركز الاضواء على إنجازاتك ونوعية عطائك

GMT 17:31 2015 الخميس ,29 كانون الثاني / يناير

عملية قذف النساء أثناء العلاقة الجنسية تحير العلماء

GMT 04:40 2015 الثلاثاء ,31 آذار/ مارس

اختاري أفضل العطور في ليلة زفافكِ

GMT 00:04 2017 الأحد ,24 كانون الأول / ديسمبر

هدف ثالث لفريق برشلونة عن طريق فيدال

GMT 09:12 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

لامبورجيني أوروس 2019 تنطلق بقوة 650 حصان ومواصفات آخرى مذهلة

GMT 20:46 2014 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

"الكتاب" يوجه التحية إلى سلطان لرعايته معرض الشارقة

GMT 14:58 2016 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

البصري يطالب "المركزي" العراقي بالحدّ من منح إجازات مصرفية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates