التلقين

التلقين

التلقين

 صوت الإمارات -

التلقين

بقلم : علي ابو الريش

التلقين في البيت، التلقين في المدرسة، التلقين في العمل. كل هذه كتل من القطن السيئ تؤدي إلى حشو، وملء الفضاء العقلي حتى ينتفخ، ثم يتحول إلى طبل أجوف، له صوت لكنه من دون نوتة موسيقية دالة على معنى. التلقين يخلق كائناً أعمى، يسير في طريق الحياة متخبطاً، متعثراً، متبعثراً متلعثماً، يقود عربة بعجلات مهترئة.

لا يمكن للعقل أن يبدع ما دام قد امتلأ بما حفظ واجتر، إنه الآلة القديمة، التي تحرك باليد، بطيئة ورديئة، لا تتماشى مع متطلبات الحياة، والحياة طاحونة هواء تدر الطاقة، ولكن عندما تصطدم الطاحونة، بجسم صلب اسمه التلقين، فإنها تتوقف عن الدوران، ويتوقف الهواء عن الحركة، وتذبل الطاقة في عقل صاحبها. الإنسان كما أن له ذاكرة تحفظ، أيضاً له عقل يقرأ ما بين السطور، ويفسر ويحلل ويدلل ويكلل ويجلل. وقد اختلف الفلاسفة منذ قرون، على كيفية التعامل مع العقل، فهل هو مجرد وعاء نملأ جوفه بالمعلومات، ونكتفي بذلك؟ أم هو كائن حي موجود في الرأس، من أجل أن يرفع رأس الإنسان إلى الأعلى، ويدخله في صلب الحياة، والتي هي شجرة الحضارة؟ هذا ما اختلف حوله الفيلسوف الإسلامي الكبير ابن رشد مع الغزالي. فالأول آمن بقيمة العقل، واعتبر التأويل محور عمل العقل، وهذا ما ميز به الله تعالى الإنسان عن الحيوان.

بينما أصر الثاني، أي الغزالي، على الاستناد على النص بظاهره، ولا يحق للعقل تجاوز هذه الثوابت الجوهرية. واليوم لأن الحفظ أصبح وبالاً على الإنسانية، وكثر الحافظون والذين يمضغون الأفكار، كما تمضغ النساء اللبان وأصبح العالم في قبضة عميان، يريدون أن يقودوا المرحلة، برؤوس مثل البالونات. ولذلك نشأ الإرهاب، ونحن نحارب الإرهاب بأدوات أشبه ببندقية صيد بدائية، الأمر جعل من تكاثر الإرهاب مثل تكاثر الحراب في غابة ملأى بالأشجار الميتة. محاربة الإرهاب تحتاج إلى الوعي بمكانه، ومكان الإرهاب جذور التلقين.

يجب أن نتحرر من آلات التسجيل التي تعيد ما سجلت وحفظت، وننهض بالفكر إلى غايات الحلم البشري، وهي التفكير بصوت عال، وفتح نافذة للعقل كي يرتب أوراقه، من دون مفاتيح صنابير المياه. نحتاج إلى العقل القادر على الفهم، وليس الحفظ، نحتاج إلى إنسان جديد، لم يتثبت عند مراحل ما قبل الفراغ. نحتاج إلى إنسان يلاحظ كيف تجري الموجة نحو الساحل، لتغسل الرمل من الشوائب.

نحتاج إلى إنسان يلاحظ الصحراء، كيف تحرك رمالها، لتحث الأشجار على النمو بشكل طبيعي. نحتاج إلى إنسان يعرف أن حب الوطن يتوجب عليه الانتماء إلى العمل بصدق، والصدق يتطلب الإبداع، والإبداع وليد الفكرة المتحركة. نحتاج إلى هذا الجيل بقوة، وحاجتنا إليه مرهونة بقوة حبه لوطنه، وهذا الحب لا يكتمل، إلا بقدرة الجيل على النهل من النبع، لا الغرف من المستنقع. عندما تلقن شخصاً، فإنك لا تحترمه، لأنك أخذت مكانه في التفكير، وانتزعت عقله، ووضعت مكانه كرة فاسدة. عندما تلقن شخصاً، فإنك غير مقتنع بإمكانياته، فوضعت نفسك بالنيابة عنه، وصرحت باسمه وقلت هذه هي فكرته، بينما هو يغط على سرير الغيبوبة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التلقين التلقين



GMT 19:41 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

أزمات إقليمية جديدة

GMT 19:23 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

قيصر روسيا... غمزات من فالداي

GMT 19:19 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

المفهوم الايراني للانتخابات... والعراق ولبنان

GMT 19:14 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

رسالة مناخية ملهمة للعالم

GMT 23:17 2021 الخميس ,10 حزيران / يونيو

ظهورُ الشيوعيّةِ في لبنان

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 21:45 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

أترك قلبك وعينك مفتوحين على الاحتمالات

GMT 20:00 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

مطعم "هاشيكيو" الياباني يغرم كل من لا يُنهي طعامه

GMT 13:11 2019 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

"جيلي الصينية" تكشف مواصفات سيارة كروس "جي إس"

GMT 05:09 2015 الخميس ,05 آذار/ مارس

انطلاق فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب

GMT 05:58 2015 الثلاثاء ,10 شباط / فبراير

سلسلة "جو وجاك" الكارتونية تطل عبر شاشة "براعم"

GMT 22:28 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

جورجينا رزق تبهر الأنظار في أحدث إطلالاتها النادرة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates