بقلم _علي أبو الريش
لكل إنسان طموح، وأمنيات، يسعى لتحقيقها، وهو حق مشروع، تعززه طبيعة الإنسان، وحقيقة وجوده على الأرض. ولكن هناك من يتحول طموحه إلى جشع، واحتيال على القدرات، وقفز فوق حبال هوائية.
هناك من يعيش خارج تاريخ الأشياء، وما قبل النشوء والارتقاء، وهناك من يقع ضحية خداع بصري، يصور له العالم وكأنه دمية من صلصال، يستطيع أن يطوع الأشياء، بخنصر تليد من دون أن يبذل جهداً، أو يتكئ على قدرات، هناك من يتخيل أن الحياة، مثل لعبة «الغميضة» لو أغمض عينيه يستطيع أن يلمس ما يريد لمسه، حتى ولو لمس جداراً، يستطيع أن يقول عنه إنه جسد بشري، لأن الجشع كائن أعمى، لا يبصر، لكنه يتصور، ويصور الأشياء كما يريد المرء، وليس كما هي عليه في الواقع.
الجشع مثل المادة المخدرة، تلهمك خيالاً واسعاً، لكنه في نهاية الأمر، يظل مجرد فقاعات، ولا بد وأن تنفجر، وتنتهي إلى لا شيء.
الجشع مثل أفلام الفانتازيا، أبطالها خارقون، استثنائيون، خرافيون وسحرة، يفعلون ما لا يستطيع البشر العاديون فعله، لأن المخرج أعطاهم ملكات غير طبيعية، ولا يملكها البشر.
الجشع يذهب بالإنسان إلى أعلى قمة جبلية في العالم، ويعود به إلى الأرض، خلال ثوان معدودة، والجشع يطير بالإنسان إلى أعالي المجد، ويجعله أسطورة زمانه، ومكانه، والجشع يلون الأحلام بألوان زيتية زاهية، ومدهشة، ومبهرة، لا يمكن أن تكون لدى كل الناس، إلا الأشخاص الذين يستولي على أذهانهم الجشع، ويستعمر قلوبهم، ويصبحوا في حضرة الجشع عربات مهترئة، تقودها جياد حمقاء.
الجشع يجعل الطرقات الوعرة، كمياه الأنهار الساكنة، الجشع يجعل الأعشاب الشوكية حب رمان، وتين، وزيتون، الجشع يجعل أبواب المصارف، جنات عدن، يقطف من عناقيدها الهلعون، ويسمنون، وينتفخون حتى تنوء كواهلهم من القروض، فينفجرون كمداً، ونكداً.
الجشع حالة من اللاوعي تسود جغرافياً العقل، فتسبي قدراته، وتعتقل إرادته، وتفضي به إلى مناطق داكنة وتصادر رؤيته إلى الحقيقة، فيصبح لا يرى غير بريق الخداع التي يصورها الجشع، ويتحول الفرد إلى طاحونة هواء، تدور في طقس رطب، ومضبب، وساكن. الجشع كتلة نارية في موقد الجشعين.