بقلم : علي أبو الريش
نحن في التفاصيل، نحن في قلب المحيط، في قوارب صغيرة، نحاول أن نعبر ولا جدوى نعيش الحياة وسط الأسئلة المبهمة، والإجابات تأتي جاهزة، لكنها بعيدة عن مرمى الأسئلة نحاول أن نكتفي بقدر بسيط لعله يملأ الوعاء، لكن الفضاء المفتوح لا يسمح بالقناعة ولا نسمح نحن لأنفسنا بأن نكون خارج التفاصيل.
اليوم وسط زحام الوسائط والأجهزة الإعلامية العملاقة لا شيء يمكن أن يركن إلى الهدوء، كل الأشياء تصطدم ببعضها
ونحن وسط الأمواج نعد النجوم لعلها تضيء شيئاً من حياتنا، ولعلنا نستطيع الخروج من مأزق الأسئلة ونرتاح. كانت الأشياء، بسيطة وسهلة إلى درجة أنها لم تكن تحتاج إلى الأسئلة، والإشارة كانت تكفي، لأن تدلنا إلى بيت الجيران، كما أنها كانت تكفي
للاستدلال إلى الأحلام، لأنها هي أيضاً بسيطة وعادية لا تحتاج إلى تفكير عميق ولا إلى الجلوس طويلاً. الآن في المنزل تفاصيل في الملبس تفاصيل حتى في الذهاب إلى السوبر ماركت هناك تفاصيل لأن الأشياء التي نحتاجها من هذا المحل، أو ذاك، فيها الكثير من التفاصيل. حتى أحلامنا أصبحت تحمل الكثير من التفاصيل لأنها غارقة في شبكة الواقع العنكبوتية وعندما تحلم تشعر وكأنك سباح مبتدئ خرج تواً من البحر، وقد انسدت رئتاه، وامتلأتا بالماء.
علاقاتنا مع أبنائنا وزوجاتنا وأصدقائنا كلها تحتاج إلى حوارات طويلة، والدخول في تفاصيل لا عد لها ، الكل يقل لك أقنعني، وأنت ليس لديك الوقت للإقناع أنت منشغل بتفاصيلك الخاصة. وعندما تكل عن الإقناع تشعر أنك قطعت مسافة طويلة سيراً على الأقدام. فأنت تلهث. تنظر إلى الوجوه وأنت تعرف أنك لم تجب على الأسئلة كما أن لم يجبك أحد على أسئلتك، الجميع منشغل وبماذا لا أدري، لكنه أنشغال، وفي أغلب الأحيان، في المناقشات المطولة عبر الكلمات التي لا تحمل معنى لكنها تضحكهم، وأنت غارق في تفاصيلك، منهمك في الوجوه التي لا تبدو وجوهاً، لأنها لم تعطك نظرة مقنعة، لم تنتبه إلى تفاصيلك، الجميع غارق في اللاشيء وفي أشياء، لا تعنيك ولا تعنيهم، أحياناً تقول لماذا أنا لا أضحك مثلهم حتى للاشيء، فجميل أن تصير أبله، ولو لدقيقة واحدة.
الكثيرون جربوا أشياء وقالوا إنها مجرد تجربة أولى، وبعدها لن تتكرر، وإذا بهم يدمنون ويصبحوا عبيداً لمادة، أو أداة، وصارت هي الوجبة الرئيسة التي يتعاطونها قبل الطعام والشراب، لأنها تملكت المشاعر والخواطر.
فيا ترى هل يستطيع أحد منا أن يمنع ابنه، من مزاولة اللعب بالتليفون، وممارسة الحكي والضحك معاً وبلا معنى؟ أعتقد أن المسألة صعبة، إذا لم تكن مستحيلة. لأن القطار قطع مسافة طويلة ولا يمكن اللحاق به مهما امتدت خطواتنا لأنه الأسرع.