بقلم : علي أبو الريش
لو أننا أطلقنا العنان للفكرة، وتركناها مثل فراشة تائهة هاربة من الريح، سنجد أنفسنا أمام واقع عربي، مأساته تسمع من به صمم، ولكن الإنسان العربي وهو المعني بشأنه وشجنه، بات يعيش حالة اللا وعي، جراء ما يكابده من رواسب وحزن تاريخي بلغ مبلغ السيف من الجسد المدمى.
المثقف العربي أصبح مثل صفير الريح، يتشدق بالخواء، ويصرخ في الخلاء، ولا فعل أو رد فعل سوى الشهيق الذي يقطع الأنفاس، فلا أعتقد أن ما يجري اليوم على الساحة العربية، من توسع إقليمي بغيض على حساب السيادة العربية، يمكن أن يتوقف سيله وويله، طالما بقينا فقط ننعى الحظ، ونتحدث عن التاريخ مجرد أحفورة مطمورة تحت رمال الذاكرة المثقوبة. ولا أعتقد أن أياً من دول الإقليم تستطيع أن ترفع حاجباً، أو تمد يداً باتجاه التضاريس العربية، لو أن العرب تناسوا ولو لبضع وقت جراحاتهم البينية، وتضامنوا وحددوا القواسم المشركة فيما بينهم، لأن اللصوص لا يقفزون إلا الجدران الخفيضة، وجدران العرب باتت مهمشة
ومحطمة، ما سهّل الأمر على الطامعين ومن في وجدانهم تعشعشت أوهام تاريخية، وجعلهم يهددون ويتوعدون ويزيفون ويهرطقون ويطقطقون ويضربون الصدور تباكياً على خيال جم، لم يزل يشعل وقوده في أذهانهم المريضة. العرب بجمعهم ولمهم، يستطيعون أن يغيروا مجرى الأحداث، وأن يردعوا الأطماع والضباع، وأن يحطموا الأنياب الصفراء، ويمزقوا الخدر السوداء، وينتصروا لأوطانهم وكرامتهم، العرب قادرون أن يفعلوا ما فعل أسلافهم، إذا ما اجتمعت عصيهم وصاروا يداً واحدة. ولكن عندما تناط الأمور لنواحين ورداحين، وسباحين في الهواء الطلق، وتترك القضايا الجوهرية لمن يريد أن يغني على الشاشات الفضائية، ويتهم هذا ويلفق ضد ذاك، ما يحيق وما لا يليق، فإن المتربصين يستطيعون وبكل سهولة ويسر أن يصطادوا في هذه المياه الضحلة، وأن يصبح جزء من الوطن العربي، سبية غير عصية بين أيديهم..
والإمارات بكل جهد وصدق وإخلاص، تحاول أن تفعل ما لم يستطع غيرها من العرب فعله، وأن تلملم الجراح، وتضمد الآلام، وتصد وترد، وتحد من النظرات الحمقاء، والإمارات بفضل الوعي الذي تمتلكه القيادة، فإنها تقف بالمرصاد لأعداء الإنسانية، وضد الكارهين والحاقدين والمتربصين والمتلصصين، والقابضين على جمرات البؤس والأسى.
الإمارات تفعل كل ذلك، ويا ليت «عربنا» يعتبرون، ويحذون حذو الشرفاء من أبناء هذا البلد، ولو فعلوا ذلك لآن الأوان لدحر عدوان من يزوِّر التاريخ ويرسم صوراً كرتونية، لتزييف الحقائق، واختطاف الدين، وتكبيل الثوابت بسلاسل من كذب وافتراء وهراء.
المصدر : الاتحاد