بقلم - علي ابو الريش
تغرقين وأغرق، تحدقين في اللا شيء، فأحرق أعواد الشوق وأمرق، أتسلل فيك مثل الدم، أعبر حدودك والتضاريس، أتوه في الجبال والوديان والشعاب والهضاب، ألاحق الطيور في عينيك وبين الشفتين، أمر من خلال السكنات والهنات والآهات، طفولي أنا حين تلتقي عيناي عينيك، أمارس كل ألعاب الطفولة، وأنت تغفين عند ضفاف النخوة، وأنا أحبو فأصبو فأكبو، ثم أنهض ثم أحثو في مهجتيك جلال الرغبات الكامنة، نصبح في اللحظة مكاناً للدهشة، تصبحين قديسة تتلو آيات مراحل ما قبل الفراغ، أصبح كاهناً يتأمل التفاصيل، ويقرأ في العينين سر الأنثى فيك، وسر الأحداق في عرف العشاق.
تغرقين وأغرق، وكلانا في الهوى أشواق، وكلانا من نسل العشاق، وكلانا يذهب في الحب حتى آخر رمق، ويذهب في الأعماق، كلانا إن جاز القول إننا عشاق، نحلم، ونحلم ببحر ماؤه من أسئلة الطير، والموجة من زعنفة الماء، نحلم أن تتطهر كتب التاريخ من الأحزان والأدران والأوثان، وبطولات وهمية، وانتصارات عدمية، وشعارات عبثية، نحلم أن يصبح تاريخ العالم من دون محسنات بديعية، ومساحيق تجميلية، نحلم أن تتساوى الأسماء والصفات والسمات والكبرياء، ولا يبقى في الغابة ناب يطيح بالعفوية، وينتهك الأبرياء، نحلم بأن يبقى العالم من دون نظريات، ومن دون صفقات ليلية، تذهب بالأشياء إلى سقوف بالية، وإلى خواء.
نحلم أن يستعيد التاريخ بدائية الحلم، وطفولة الأشجار، وبهجة الطير، وبريق النجمة، وبلل الغيمة، نحلم أن تكتمل دائرة البوح، ولا يصدمها كبح، ولا يؤلمها جرح، ولا يثلمها قدح، ولا يضرمها صرح، نحلم بوعاء إنساني ممتلئ بالفرحة، نحلم بدعاء بشري لا تردعه سناء، نحلم أن يصبح البوح نغمات، وأن تصبح عيون النساء نجوماً، وثغورهن جداول ماء، والوجنات صفحات لقرطاس القصيدة، وأن نصبح معاً في دنيا الله مفاتيح سماء، تطل على جنات الحلم، من دون أضغاث، ومن دون حراس يخطبون في غابات أوجاعنا، وأسئلتنا الأزلية، نحلم أن لا يبقى في العالم من يغفو على أرصفة الغبن، نحلم أن لا يبقى في العالم من يحلم برغيف يابس كي يملأ جوع صبي، ضاعت حقيبة مدرسته تحت ركام الجهل، والدمية التي كانت سر ابتسامته، مزّقتها رصاصة ناقمة، والأم التي أرضعته احتلها الغاصبون.