بقلم _علي أبو الريش
الأعمال العظيمة يحترمها المخلصون، ويطري عليها المتملقون. لا تتوقف عن التدفق، كالنهر لا تعرقله الصخور في المجرى، أنه يمضي إلى حيث تكمن الأشجار، فتنمو على أثره، وترتفع أغصانها.
المتملقون وحدهم الذين يعيقون طريقك إلى الحياة، لأنهم مداحون حتى آخر رمق، لكنهم لا يحترمون ما يمدحونه لأن وراء مدحهم تختبئ غايات نفسية، وخلف كل ابتسامة تتربص بك نظرة حسد.
الأعمال العظيمة، تحتاج إلى عيون لا تغشيها غاشية تملق، ولا تشوبها شائبة تزلف، الأعمال العظيمة مثل الأشجار المثمرة، لا تنمو إلا في التربة الخصبة، ولا تترعرع أغصانها إلا في الطقس الدفئ.
الأعمال العظيمة، تحتاج إلى إرادات عظيمة، تجل ما ينفع، وتتجلى خلقياً في نظرتها إلى الأعمال التي لا ترقى إلى الاهتمام. عظماء انتحروا، لأن التملق كان سكيناً حادة، عظماء أصيبوا بالجنون لأن التملق كان سماً قاتلاً. المخلصون وحدهم الذين يضعون العظماء موضع الاحترام، وليس التملق.
المخلصون، يثيبون الأعمال العظيمة، ببلاغة بوح لا يتسرب إليه رياء، ولا يتخضب بفساد الدماء. المخلصون، يعبرون بك إلى أحلام لا تشوهها كوابيس، ولا تسوفها أضغاث نواميس. المخلصون، يأتونك مثل الهديل، يطوقونك بالنغمات مثل قلائد فرح، فيمنحونك التجلي والتحلي بأخلاق الأصفياء.
المخلصون، لا يغرقونك بالمديح، وإنما يحيطونك بأشعة شمسية، تضيئك أكثر ولا تدعك تقع في الحفر السوداء. المخلصون، عشاق قصيدة الحياة، هم ينحتون على صفحات قلبك فرحة الوجود، ويأخذونك إلى الحقيقة من دون حواش، هم يمنحونك وعيك بالكون، وإدراكك أن العظمة في الأعمال العظيمة، ليست إلا إضاءة في الطريق، تتلوها إضاءات، إذا ما تم العقل صاحياً، وتمت الروح صافية من غير زبد ولا قدد ولا بدد ولا رمد.
المخلصون يدعمونك، المتملقون يمزقون قماشة مشاعرك، يجعلون عظمتك مجرد صلصال يعبث به أطفال صغار. المخلصون أوفياء لكلمة تقال، ويضيئونها بنباهة الوعي، المتملقون يطفئون الأنوار، كي لا ترى عيونهم الحقيقة، فيمضغون الكلمات، مثلما تفعل الشاة بالعشب اليابس.
المخلصون عشاق وجود، والمتملقون حفارو قبور. المخلصون يرفعونك، والمتملقون ينزلونك في الحضيض.