بقلم : علي أبو الريش
في الحياة بشر بأصنافهم وأنواعهم وألوانهم وأعراقهم وطوائفهم وعقائدهم. هذا أمر طبيعي في تعدد الأنواع، ولكن أن تخرج من بين هذا الكم الهائل من المختلفات شريحة بشرية تعيش على القشور في الحياة، شريحة تأخذ من القيم الدينية العريقة القشور، ثم تبني عليها مسلماتها، وسلوك حياتها، وطريقة تعاملها مع الناس، فهذه أكبر المعضلات التي يواجهها العالم في العصر الحديث. القشريات من البشر يسوفون
العلاقة مع الدين، ثم مع الناس، ثم مع الحياة، فتبدو هذه العلاقة، محاصرة بضيق الأفق، وضحالة المعرفة، ما فتح الباب على أوسع ضلفتيه، ليخوض في الدين من يخوض، وأصبح لدينا فقهاء من مشارب، ومآرب، ومرائب، وخرائب، لا تعد ولا تحصى. اختلط الحابل بالنابل
ولم يجد المخلصون، والمتعففون، والمثقلون بهموم الدين وتعاليمه، والمتفقهون الحقيقيون، مكاناً لهم في هذا اللغط، بل أصبح اللاعبون الجدد يهيمنون على الساحة، ويربطون الانتماء إلى الدين، بقدر ما يحمل الإنسان من تأويلات، مناقضة لحقيقة الدين.
من هذا الجحر، من هذه البؤرة الخطرة، انبعثت «داعش»، وانتشرت في الأصقاع والبقاع مثل النار في الهشيم، ورعت وترعرعت وأفزعت وأرعبت ونخرت في عظام المجتمعات، حتى أصبحت قيحاً لا مفر منها. نقول إن «داعش» وأخواتها، وقد تنتج أبناء، وأحفاداً في المستقبل، لم تأتِ من فراغ، ولم تنزل علينا بأطباق طائرة، «داعش» هي نتيجة مباشرة، وفورية، للتفسير الخاطئ للدين، وهي وليدة متحذلقين، ودجالين، قفزوا على المرحلة في غفلة من الزمن، وتمكنوا من السيطرة على وجدان السذج، والبلهاء، والبسطاء من الناس.
اليوم عندما تتأمل المشهد، وتقرأ ما يجري في أكثر من بلد عربي، تجد أن هناك شعوراً بالامتعاض الشديد، من وجود هذا الجسم الغريب الذي اقتحم الواقع الإنساني، وأصبح ظاهرة، ولكن هذه الظاهرة تحتاج إلى وعي عالمي، بالتعامل معها، ليس ككتلة دينية حلت في مكان، ولا علاقة للآخرين بها، بل الواجب الإنساني، يستدعي الوعي بأهمية محاربة هذا الداء، أينما حل، لأنه لا يرتبط ببيئة جغرافية، وإنما هو مرتبط ببيئة الوعي، فأينما وجد مثل هذه البيئة، استقر، وباشر عهده الإرهابي. إذاً نحن أمام ظاهرة، بنت، أركانها على التفسير الخاطئ
للدين، وسارت على أرضية السذاجة، وكونت قوتها، مستندة إلى غض الطرف من قبل بعض الدول التي آمنت بمقولة (إذا سلمت أنا وناقتي، ما علي من رباعتي) الأمر الذي صعب كثيراً من المواجهة، ومد من عمر هذا التنظيم الذي لا يملك من مقومات البقاء، غير دعم البعض لها، تحت ذرائع، لا تختلف عن ذريعة «داعش» نفسها.