بقلم _علي أبو الريش
الحلم كتلة ماء، تصب على جبينك، فتغسل ليلتك بصور رمضاء تكون ضحلة، وربما تكون صافية. عندما تغتسل بالحلم الضحل، تبدأ نهارك بتقطيبة، وتستمر إلى ما شاء الله. ضحالة الحلم تجعلك في رثاثة الأخلاق، تكون بلا مقود يحدد علاقتك بالآخر، تكون مثل سهم تائه، يذهب إلى أي مكان، فيصيب بشراسة ولا يبرئ بريئاً، ولا يقتص من آثم. نحن كثيراً ما نخطئ ونرتكب الجرائم، نتيجة لصور وصلتنا عبر الأحلام، ونتيجة لاختلاط الحلم بالواقع، فنكون نحن الضحية والمضحى به. ما بين أحلام اليقظة، وأحلام النوم، صلة قرابة من جهة اللاشعور الفردي والجمعي، هذا الكائن السحري الخفي، يقوم بدور الملقن، كما يحدث في المسارح، حيث يوجد هناك ملقن خلف الكواليس. ولكن ملقن الأحلام يملك من قوة التأثير والسطوة والاستيلاء على شخصية الحالم.
لذلك لا يستطيع الحالم في كثير من الأحلام أن يتحرر من الحلم، وأن يقول له أنت مجرد حلم، ولن أصدقك. الأمر الذي يفتح الباب للمشعوذين والدجالين والمحتالين، ومدعي الأديان، ليتبوأوا المشهد، مستغلين جهل الآخرين، وحاجتهم إلى فهم ما يجري في غرف العقل وبين جدران البيوت. فقد يحلم إنسان أن أحد أقاربه يكنّ له عداءً سافراً، وتظل هذه البقعة السوداء تحوم في رأسه وتستولي على مشاعره، ولا يستطيع التخلص منها، لأنه لا يعرف من أين جاءت وأين تكمن، وكل ما يعرفه، أن الصورة واضحة أمامه، وأن هذا القريب بالفعل يستل أداة العداوة، ويتحين الفرصة ليقضي عليه قضاء مبرماً. وقد يلجأ الحالم إلى كاهن من كهنة الافتراء والهراء والادعاء، ويقع في ورطة الاتهام المباشر لذاك الشخص الذي حلم، وكلما مرّ وقت، كلما ازدادت أمور الحالم سوءاً، وهكذا تدور الدوائر وتتكاثر فقاعات الأوهام، ويغرق البحر بمزيد من التلوث، ويغطس الحالم في لوثات متعاقبة، حتى يصبح ملاذه فقدان الثقة بالماء واليابسة، يصبح بلا مكان ولا زمان، يصبح في حضرة الجنون، يصبح في المكان الرمادي.
ولكن إذا شاء اللاشعور، وهيأ لك حلماً زاهياً، فسوف تصبح أنت زهرة برية، تحت سماء زرقاء صافية، نجومها لآلئ من صور، تزين كل الدنيا، وتغنيك عن التعب والنكد، ومع كل ذلك عليك الحذر، لأنه ليس كل ما يلمع ذهب.