بقلم : علي أبو الريش
في عالم يتوحش تحت سطوة الأنانية، تبدو الأيديولوجيا مثل أرنب جبان، يخبئ خوفه في زاوية معتمة، وينتظر (لعل وعسى) وهذه لا تأتي، وتأتي العدوانية، تأتي اللا نهائية للأحلام، في غيه وغياب وعيه، يستمر في البحث عن خلاصة في الدوائر الفارغة، وينبش بين القبور وفي مزابل التاريخ، فقد يعثر على نقطة ضوء ولا جدوى، لأن الحقيقة طمست تحت رمال الوهم، والأجندات الخرافية والنعيب والنهيق والنقيق والشهيق، ولم يبق أمام الإنسانية غير السعي وراء الغبار، وجمع ما تبقى من نثار الوعي وكأن الحياة توقفت عند زعقة من كاهن مؤدلج بسياط التخلف والتزلف وسوء السيرة والسلوك.
عندما انتفخت الأنا، وتورمت وتأزمت واحتقنت، وصارت مثل جيفة ملقاة عند قارعة طريق، أصبح الصراع البشري ليس حول المبادئ، وإنما الرحى تدور حول الأنوات، وحول الحقيقة المتوهمة، ولا يبدو في الأفق ما يبشر بهطول المطر، لأن الغيمة المنتشرة في السماء، هي من فعل غبار الرفس والركل وليس من بخار البحر، فالبحر لم يتسن له التقاط أشعة الشمس، بل هو في منأى عن حرارة الضمير الإنساني، البحر لا يعطي السماء ما تريده، إذاً لا داعي للانتظار، وما نشهده من صراع على الأرض، هو نتيجة فعلية لهذا التواري، المقصود الضمير الإنساني، وبروز الأنا التي أصبحت بحجم الكرة الأرضية وبسعة المحيط.
عندما تكبر الأنا يغيب الوعي وتندثر شيم الإنسان، ولا يستطيع رؤية الحقيقة، الحقيقة تكون مخفورة بأغلال الحقد والكراهية والبؤس واليأس، والأنا عندما تتورم، فإنها تعمي البصر والبصيرة، ويصبح الإنسان كمن أدخل في غرفة مظلمة، وقيل له انظر إلى الجدار، فلن يستطيع رؤية ما يدور من خلفه، ولن يرى غي الأشباح التي تزيد من توتره ومن ثم توحشه.
اليوم عندما ننظر إلى واقعنا الإنساني، نرى الأيديولوجيات تتناطح مفرغة من القيم والشيم، والكل يتهم الكل بعدم المصداقية، لأنه لا وجود للمعايير العقلية التي تحكم هذا الضجيج، ولا وجود للمسافة التي تميز ما بين الأسود والأبيض، فالألوان اختلطت حتى أصبح الرمادي هو اللون الغالب والفائز في سباق الألوان.
جمعيات ومؤسسات وهيئات دولية باتت مشلولة، تقف جامدة ولا حراك لأنها فقدت المصداقية، بعد أن عجزت عن إدارة الأزمات ومن ثم حلها.
نقلا عن الاتحاد