بقلم : علي أبو الريش
في الأول من أبريل من كل عام، تحتفل سويسرا ومعها سائر أوروبا بعيد الأرنب، في هذا اليوم، تزدان شوارع هذه البلاد وميادينها بأشكال وألوان تتشح بصور الأرنب وسماته وصفاته.
وبوداعة هذا الكائن اللبيب في هذا اليوم تحولت سويسرا إلى ساحة عناق إنساني مع الطبيعة، وإن دلّ ذلك على شيء، فإنما يدل على أن هذه الشعوب تهنأ بمشاعر عفوية، وتتمتع بأخلاق الطبيعة المبدعة، وقيم الوجود ووحدة مخلوقاته، وكم هي الإنسانية بحاجة إلى هذه النخوة، كي يسلم الوجود من نعرات التمزق، وحماقات التزمت، فعندما نحتفل بالأرنب، فإننا نقدم رمزاً لاحتفاء البشر بأضعف المخلوقات، وأكثرها سلاماً ووئاماً وانسجاماً مع مكونات الطبيعة، وما تقدمه لمخلوقاتها من دروس في التلاحم، والتناسق، والتوازن الطبيعي.
الاحتفال بالأرنب كحيوان ليس له الدور الفعلي في الحياة، يعني الاحتفاء بكل ما يتعلق بهذا الكون مهما كان حجمه أو شكله أو أهميته، وهذا دليل على تصالح هذه الشعوب مع أنفسها عندما تعني بهذا الحيوان، وتخصص له مناسبة للاحتفال به.
تقول الحكمة، «كن أقل تكون أكثر»، أي أن نكون ببساطة الأرنب وشفافية مشاعره، لا نحمل ضغينة، ولا نكن حقداً لأحد، ولو تخلقت البشرية بهذه الأخلاق لزالت من الدنيا نيران الحروب، ولتخلصت البشرية من تورم الأنا وتضخم الذات، وعاش الجميع في سلام، وتلونت أحلامهم بألوان السماء الصافية، وازدانت معانيهم بعطر الورود التي تنثر عبيرها من دون شروط، ومن دون أسباب تنتظر النتائج.
لو تخلقت البشرية بأخلاق الكائنات العفوية لتلاشى الهدير والسعير، وأصبحت الحياة مكسوة بحرير المحبة والتعاطف والتضامن، واختفت أشكال التباهي والإدانة والتذمر والتبرم والقنوط، كذلك الإحباط، والتواري خلف سحب الغبن الداكنة.
يوم الأرنب احتفالية تدل على صدق نظرية روسو، ودعوته إلى العودة إلى الطبيعة، والاحتكام إلى قوانينها، والاتكاء على شرائعها، لأنها الكتاب المقدس الأول في الوجود.
يقول روسو: «إن الإنسان فقد آدميته عندما هجر فطرته، ومال إلى المادة الشنيعة». وهذا فعل نبيل أن تعود أوروبا المادية الصناعية إلى أصل الحياة، وأن تتكئ على أحلام الفطرة، خير من أن تقفز على جدران الميكنة الجامدة، وأن تستبشر بالعفوية، خير من الانحناء لتقطيبة المادة.
هذا هو العود الأبدي الذي تحدث عنه نيتشه، وهذه هي حقيقة الإنسان، فهو من الطبيعة، وإليها يعود، هو من ترابها، وجبلة طينها.
هذا هو الإنسان، وإن بلغ العلا يظل هو الجزء من هذه الطبيعة، ينتمي إلى مكوناتها في الأصل والفصل.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد