بقلم : علي أبو الريش
تزخر اللغة العربية بألوان من الأشجار والأزهار، وهذا ما جعلها تصمد طوال الدهر، رغم معاول الهدم والتكسير التي أصابتها جراء الفذلكة اللغوية التي اجتاحتها، وإثر الخصومة الفادحة التي ألمت بها من قبل المصابين بعقدة الدونية والذين اعتقدوا أن الهروب منها، يتطلب الجنوح عن شطآن اللغة الأم والذهاب إلى مغارات لغات أخرى، تضعهم في قلب المشهد الحضاري هذا الخطأ في الذهنية وضع اللغة العربية في حرج الاغتراب وصرنا نتحدث مع أنفسنا بأنصاف اللغة، في حين الأنصاف الأخرى تأتي من خارج الحقل مما يسبب ارتباك اللسان، واعوجاجه إلى درجة أنك عندما تتحدث مع شخص من هذا النوع من البشر تشعر وكأنك تخاطب طفلًا صغيراً في سن التسنين مما يوسع الفجوة بينك والآخر، ويزيد من سعة الاستلاب، ويرفع من حدة الاغتراب وتصبح العلاقة بين اثنين، لا ينتميان إلى هوية واحدة، كما أنهما لا ينتميان إلى مشاعر واحدة ، فتزول تلك الشيم الموروثة بين جيلين، وتتلاشى نخوة الاعتزاز بلسان العرب، ليصبح اللسان أشبه بآثار زحف أفعى على أرض رملية، مشت عليها أصابع الريح، فأين ستجد المعنى؟ أين ستعثر على مضمون العلاقة بين اثنين حتى ولو كانا أخوين، فإن بعد اللغة يسفر عن امتداد المسافة بينهما، واتساع هوة المسافة يجعل التواصل أشبه بتواصل اثنين، أحدهما أصم والآخر أعمى، فأين سيتم الانسجام؟ وأين ستجري أشعة البصر، وذبذبات السمع.
اليوم ونحن في عصر التنوير، ونهضة الفكر في بلادنا، نشهد صحوة ونباهة عالية الوتيرة تذهب باللغة نحو أفق الترسيخ والتركيز على كلمة الحقيقة في قاموس الوعي الإماراتي، هذا النهوض في حد ذاته يفتح قناة تواصل مع الآخر ولا يغلقها، ولكنها قناة مؤسسة على مبادئ صحيحة وناجعة، تبعث بلغتنا العربية إلى استعادة المفقود واستدعاء الذاكرة كي تفرج عن قيمها، وتطرح نفسها، كذاكرة تعبر عن ذات عربية لها جذورها الحضارية التي لا تبعد عن الحضارة العالمية بشيء، بل تعززها وتساندها من أجل إقامة صرح حضاري إنساني يخدم حاجة الإنسان في كل مكان وبدون استثناء، ويضع العالم في منزلة واحدة من دون تلوين أو تصنيف.
هذه هي الإمارات الدور الرائد في دعم اللسان البشري كي ينطق بحقيقة الوجود، ويمضي في الوجود عزيزاً مكرماً محترماً متداخلاً مع الآخر بقوة الإرادة وصفاء القريحة ونقاء السريرة.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد