غريب الوجه واللسان

غريب الوجه واللسان

غريب الوجه واللسان

 صوت الإمارات -

غريب الوجه واللسان

بقلم : علي أبو الريش

ظاهرة غريبة، وعجيبة، ومريبة، ورهيبة، ومهيبة، وكئيبة، برزت مثل الزبد على سطح الماء.

تمشي في الشارع، أو تدخل في مصعد، أو تدخل في محل تجاري، أو تدلف مجلساً، تسمع كلاماً أشبه بنقيق الضفادع، شباب من بني جنسك وبلدك، يلوون ألسنتهم مثل الحبال الملتوية على لوح خشبي قديم قدم الدهر.

هؤلاء الشباب أصبحوا يستخدمون اللغة الإنجليزية، ويحلقون حروفها كما يفعلون بشعور رؤوسهم المخروطة على جانبي الرأس، فلا تعرف إن كانت هذه لغة التواصل، أم أنها طبول أفريقية راقصة على شعث الحياة.

الرسول الكريم قال «من تعلم لغة قوم أمن شرهم»، وهؤلاء يتعلمون اللغة الإنجليزية لأغراض مبهمة ولا معنى لها غير الانفصام عن الواقع، فهؤلاء انتموا إلى هذه اللغة كمن ألتصق بزوجة أبيه وتنكر لأمه.

هؤلاء لم يفهموا ما معنى أن تحافظ على لغتك، وأن تنتمي إلى حروفها، والتي مثل حبات الرمل التي تمشي عليها الأقدام، لتكون جزءاً من عرق الجسد، وشيئاً من عبق الروح، والذي يغادر هذه المنطقة الجوهرية، فإنه يهجر الهوية، إنه يعيق حركة الحياة في الوطن الواحد، ويغتال لغته ويوجه عدواناً سافراً ضد الهوية الوطنية.

ويعيش أبد الدهر خارج النص، بعيداً عن ثيمة التاريخ، ويسكن في غرفة معتمة بلا ضوء، فاللغة الأم هي قيثارة اللحن الداخلي لكل فرد منا، وهي منارة الأبداع، وهي الإشارة الخضراء التي تفتح لنا الطريق نحو الآخر، لأنها تمنحنا المكانة والرزانة وأمانة البوح الذي يعبر عن قوة ثقافتنا، وإرثنا وحضارتنا، وقد ذهبنا إلى بلاد الدنيا، ووجدنا شعوباً تحترم لغتها، وتأبى أن تفرط بحرف من لغتها، لأنها ترفض أن تكون غير هي، وترفض أن تغادر النهر، لتسكن الأرض القاحلة، وهذه شعوب أيقنت أنها لا تكون هي إلا عندما تضع لسانها في نبع الماء المتفجر من تضاريس أرضها، وما عدا ذلك من لغات أخرى، فهي لغات ثانوية لا تلجأ لها إلى في وقت الحاجة.

بينما عندنا فالناس يتباهون ويفتخرون عندما يحفظ الواحد منهم كلمتين، ليلوك لسانه بها، وتسمع كلمتي، يس، ونو تتطاير في أي مكان تحط عليه قدماك، وبعضهم لا يعرف غير هاتين الكلمتين، ومعهما «أوكي» ليكمل حلقة الوصل الشائهة، ويبتسم وكأنه اخترع الذرة.

هذه ظاهرة مسمومة وملغومة، ولو أمعنا السمع والنظر فيها لاكتشفنا أنها سعي دؤوب إلى الخروج من جلباب لغتنا الأم، وولوج مستنقع، يرى فيه البعض الهروب من واقع ثقافي أصبح مثل الثوب القديم، وللأسف تأتي محاولة ترقيعه بأسلوب الخياطين الهواة، فنجد الثوب بلا لون ولا نسيج يحفظ شكله الأساسي.

حقيقة نحتاج إلى وعي يأخذنا إلى نبذ مثل هذه الظاهرة، لكي لا يضطر الجيل القادم إلى البحث عن آباء يخاطبونه بلسان يفهم منطوقه، ويستوعب منطقه.

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غريب الوجه واللسان غريب الوجه واللسان



GMT 09:11 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام قطرية – تركية لم تتحقق

GMT 09:06 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

تذكرة.. وحقيبة سفر- 1

GMT 09:03 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

عندما تصادف شخصًا ما

GMT 08:58 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

اختبار الحرية الصعب!

GMT 00:41 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

وماذا عن الشيعة المستقلين؟ وماذا عن الشيعة المستقلين؟

GMT 19:42 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الدلو السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 10:03 2018 الأربعاء ,09 أيار / مايو

"بهارات دارشان" رحلة تكشف حياة الهند على السكك

GMT 11:22 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

شيرين عبد الوهاب تظهر بوزن زائد بسبب تعرضها للأزمات

GMT 14:04 2013 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حامد بن زايد يفتتح معرض فن أبوظبي 2013

GMT 06:44 2012 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

نشر كتاب حول أريرانغ باللغة الإنكليزية

GMT 19:39 2017 الثلاثاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

٣ خلطات للوجه من الخميرة لبشرة خالية من العيوب

GMT 15:58 2017 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

لوتي موس تتألق في بذلة مثيرة سوداء اللون

GMT 17:22 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

فتيات عراقيات يتحدين الأعراف في مدينة الصدر برفع الأثقال

GMT 09:17 2021 الجمعة ,21 أيار / مايو

4.1 مليار درهم تصرفات عقارات دبي في أسبوع
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates