بقلم : علي أبو الريش
إيهاب عبدالعزيز، كان هنا يجول خصلات الحلم، ويرتل وعيه عند نواصي المكان، كانت «درين» في وعيه عشب حياة، وذاكرة تحث الخطى باتجاه القديم الجديدة، بابتسامته المستفيقة من نهار زهرة الخليج، كان يفيض بالأحلام، يرسم عند كل خطوة نخوة الرجال الأوفياء، ووشم درين مثل رسم معيريض، كلاهما يسكن أعلى غصن في الشجرة، كلاهما ينتمي إلي مزاج الطير ومذاق الماء، والأشياء جلها جداول ومناهل، وجزائل، ومفاصل، وفواصل، لكن الحب وحده الذي يقبض على جريان النهر ليجعله في المساق كأنه الترياق، يلج الروح، يمنحها نشوة البقاء والتمسك بنواميس الوجود.
إيهاب، ابن درين، من فصيلة ماء النيل، من كبرياء خوفو وخفرع ومنقرع، من اتساع القيم في مصر الحبيبة، من شموخ التاريخ ورسوخ الجغرافيا، من حلم امرأة جلبت على رأسها، سلة القطن طويل التيلة، الناصع كما هي أفئدة أهل أرض الكنانة، كما هي عيون الطير.
العمدة، عند ناصية القهوة، في درين المبجلة، يقتعد كرسياً، ويطلق العنان لجياد الذاكرة، يتذكر، يستدعي التفاصيل في أبوظبي المبهجة، يعيد للأيام لجامها، وحجامها، وبعض ركامها، يسترجع الحبل الذي فلت من زمامه، ليرسم الصورة من جديد، عن الإمارات، عن الناس الطيبين، هؤلاء الذين قلوبهم كزعانف الأسماك، شفيفة عفيفة نظيفة، أليفة، يرسم على سبورة الفراغ اللا متناهي، وجه أبوظبي، شوارعها، نواصيها، وابتسامات من مروا أو مررن من هنا وهناك.
كل شيء في درين يذكره بأبوظبي، كل شيء في السماء يذكره بنجوم أبوظبي، وصفاء الأرواح التي مرت على خاطره.
العمدة.. بشيمة الناس النبلاء، كان يعطي برخاء وبذخ، كان يفني حبات العرق، لتصبح قطرات ندى، تغسل غربته، ويستل كأنها الحلم الآتي من مصر، من عصر النجباء.
العمدة.. كان يفتل حبل المعرفة بتجارب وعلاقات، وانصهار في مواقد التعب، لأجل أن تكون اللقمة صافية، ولأجل أن يفي بحق من أوفوا لعروبتهم، وقيمهم ومبادئهم، كان هنا مثل نورس يعانق زرقة البحر، ويحدق في سماء درين، محلقاً بأجنحة الشغف، والكلف، فلم تكن شرفة الشقة التي سكنته إلا فضاء، يغوص من خلاله في أعماق الأمكنة، كانت «الشيشة» تبعث برسائل دخانية، جافة محملة، بلغة إيهاب، وعفويته وفطرته، ونجابته، وبلهجة أشبه بالهديل، تراوغ وتشاغب وتشاكس.
العمدة.. إيهاب.. ربما من يباب المراحل، أو من جلباب درين، تخرج يا سيد الكلمات المعطرة بماء الورد، لتدخل من جديد في صلب المكان والزمان، فلا فرق سيدي ما بين معيريض ودرين، لا فرق ما بين الإمارات ومصر، فكلاهما يرشفان من وعي الزمان ومن نبع الحب، لأجل أن يعيش العالم في سلام ووئام وانسجام.
العمدة.. إيهاب.. سواء كنت في مصر أو الإمارات، فأنت في المكان نفسه، في القلب نفسه.