بقلم : علي أبو الريش
البعض من مثقفينا، يمارس الحرية، كمن يستقل عربة فارغة، الهدف منها إصدار الضجيج، ما يحدث اليوم هو تسفيه لمعنى الحرية وتقويض لمعانيها المقدسة، وإجهاض للحلم الإنساني، يقول صموئيل بيكيت، «إذا كانت العربات الفارغة أكثر ضجيجاً، فمن الضرورة أن يكون هناك قانون ما يحدد مستوى هذا الضجيج» لأننا الآن في زمن عربي تهشّم فيه الزجاج، وأطاحت العواصف الهوجاء الأشجار والأحجار، وفي ظل هذا الزخم من الفوضى العارمة، لا بد وأن يظهر من بيننا من يسوف ويشوه، وينسف، ويخسف، لأنها فرصة الأشباه والأنصاف والأرباع، كي يؤكدوا ذواتهم في غياب المقاييس العلمية التي تضع حداً لهذا السيل الجارف، فأحد أعضاء رابطة الكتاب الأردنيين أساء إلى رئيس الرابطة، ونعته بأوصاف بذيئة ونابية، وراح يقدح ويسرح، معتبراً ذلك جزءاً من حرية الرأي، وحرية الرأي لا تستدعي أبداً كيل السباب والشتائم في حق الآخرين، حرية الرأي تبدأ من ميزان العقل، والعقل حدد لنا أن الحرية تنتهي عند حرية الآخرين، أما أن يذهب البعض ويمتطي الناقة العرجاء، ويحفر في الأرض ليترك أثراً لخطواته، وهي خطوات غير محسوبة، ووثبات أشبه بوثبات القطط الفارة من غيظ وفيض.
الحرية إذا لم تبدأ باحترام حق الآخرين في اتخاذ المواقف التي يرونها صحيحة، فهي حرية الغوغاء، والعشواء، والشعواء، والرعاع، والضباع، والحرية التي تصير ناباً أصغر ينهش من سيادة الأوطان، فهي حرية مرفوضة جملة وتفصيلاً، هذه حرية لا يسعى إليها إلا كل عصابي مصاب بداء العصاب القهري، وهو المرض الذي يجعل الشخص في حالة تذمر، وانحطاط نفسي بحيث لا يستطيع مقاومة نقمته على الآخر، فقط لأنه آخر، ولأنه لا يشكل جزءاً من محيطه النفسي، وللأسف، فإنه عندما يصاب المثقف بهذا المرض يصبح وبالاً على نفسه وعلى الآخرين، ولا ينصلح الحال إلا إذا أعيدت الأمور إلى نصابها، بمعنى أن يُعالج هذا المصاب، وأن ينقى من الدرن، وأهم وسائل العلاج هي أن لا يضخم ما يفعله ويقوم به من تصرفات، وأن يتم إسكاته بمزيد من التضامن وإنصاف من وجهت إليه الشتائم ورفض تغييبه عن المشهد الثقافي، بل مواصلة المسيرة، ولتنبح الكائنات النابحة، ولتستمر القافلة في قطف ثمرات العطاء، فأوطاننا بحاجة إلى من يعمل لا إلى من يرغي ويزبد.