بقلم : علي ابو الريش
التطوع في تاريخ الإمارات سلسلة من منارات عطاء وسخاء وتفان بالنفس والنفيس. التفاتة إلى الماضي، تجعلنا نجول في محيط من المشاهد المشرفة لأبناء الإمارات.
الماضي عندما نستحضره، يلقي بين أيدينا صحائف من البذل والتضحية والتكاتف والتآلف، والتعاضد، والتعاون، بين الجار، والجار الجنب، ففي سفرهم إلى الخارج كان العائدون من الرحلات الطويلة، يجلبون معهم (الصورغة)، وهي الهدايا التي يقدمها القادم من الأماكن البعيدة، تعبيراً عن حبه، وانتمائه لمن يهديهم، ويقدم لهم أجمل ما يستطيع.
في الماضي، كانت العواصف تطيح بيوت السعف، وتسقط الأسقف على رؤوس أصحابها، ولكن للسواعد السمر، كان حديثاً ترويه فزعة الرجال الأوفياء الذين يحملون الحمل الثقيل، ويجعلون من أكتافهم عوارض،وأعمدة تحمي المستغيث، وتسعف المستجير.
لم يكن للأيدي الغريبة أثر في كبح جماح العوز، ودرء أخطار الحاجة المباغتة، كان الناس يداً واحدة وقلباً واحداً، الذي جعل من شح الحياة أمراً لا يقلق ولا يرهق، لأن الناس كانوا يؤمنون أن في التعاون قوة، وفي التفرق ضعفاً، لذا كان التطوع أمراً بدهياً، عفوياً، فطرياً لا يحتاج إلى نداء، أو دعوة، وكل مكونات الحياة ومتطلباتها كانت تلبى بالعمل التطوعي، وكل ما كان يلزم ذوي الدخل المحدود، هو ملبى من طرف الجار، والصديق، والشقيق.
إذاً عندما نجد تهافت وتدفق أعمال الخير، وتوافد المتطوعين لأجل الغوث والمساعدة فهذا تصرف بدهي اعتاد عليه ابن الإمارات، وورثه أباً عن جد، وهو جزء لا يتجزأ من قيمه وعاداته ومبادئه وأخلاقه وثوابته التاريخية، فهو مثلما يؤدي واجباته الدينية والوطنية يذهب إلى التطوع كواجب لا مفر منه، ولا يمكن أن يتملص منه، لأنه جزء من نسيجه الاجتماعي، الذي بات يشكل وحدة المصير، والهدف في حياته، ومع تطور الحياة والنعمة التي من الله بها على هذا الوطن، تطورت أيضاً وسائل التطوع، واتسعت وتقوت أدواتها، وأصبح المحسنون يقدمون مشاريع ومبادرات خيرية لمصلحة المحتاجين ليس في الإمارات، وإنما في كل أرجاء العالم، وأصبحت هيئة الهلال الأحمر بقيادة سمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان، ممثل الحاكم في منطقة الظفرة، تقود هذه العملية، وتقوم على تأصيلها وتنظيمها، ووضع اللوائح والنظم التي توجه عملية التطوع نحو آفاقه الصحيحة، ولتصل الرسالة التطوعية السامية إلى أهلها، ومستحقيها.
وهذه هي رسالة الإمارات عموماً للعالم نحن مع المحتاج، والمظلوم، نحن مع من قست عليه الظروف، وعبست في وجهه الدنيا. نحن مع الابتسامة على كل وجه، من دون شروط، أو تمييز.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد