بقلم : علي أبو الريش
نشهد ما يحدث في العالم، فنجسُّ نبض أنفسنا، فنصل إلى يقين أنَّ ما يحدث ما هو إلا خرافة. عندما يعجز العالم عن إيقاف التفرقة العنصرية في ماينمار ويدع ما يحدث لشعب الروهينجا، ضمن مشاعر حزن خفيفة تجتاح الوجدان، مثل هبّات العواصف الموسمية، ثم يُطوى سجل الذاكرة، ليعبر إلى قضايا أخرى تتلوها، ولينظر إلى ما بعد هذا التوالي من الأحداث، فإن هذا الموقف الإنساني لا يتعدى أكثر من خرافة، كما هي الخرافات الأخرى في مجالات عدة مثل صرعات الموضة، ومثل الأفكار المختلسة من بُطُون حداثة زمن الأشكال المدهشة والمبهرة، وهي نفسها التي اختطفت العقل البشري، وذهبت به إلى مناطق بعيدة خارجة عن نطاق الوعي.
نشهد ما يجري للشعب الفلسطيني، وتمارس الصور على الشاشات الفضائية، لعبة السحر أمام عيني كائن بشري لا زال يعيش في بدائية التفكير، حقيقة ما عادت هذه الصور تحرك في وجداننا رفة جناح عصفور، لأن العقل الإنساني لم يعد سجلاً يحفظ العناوين الكبرى، بعدما فاضت صفحاته بالمآسي، وضحايا العنصرية، والحقد وضيق الأفق، وسواد السريرة، العقل أضحى يمارس لعبة اللهو، ونسيان الأشياء المحزنة، لأنه فكّر في هذا ملياً ووجد أن ما يحدث خرافة، وأن ممارسة العنصرية هي استعادة لأزمنة ما قبل النهضة الحضارية، بل إن الحضارة نفسها بدأت تسخر من منتجيها، لأن كل ما حصل من تقدم في العقل، تبيده خطوة مشينة من دول بدأت تحضر لزمن ما بعد الحضارة، وكأن العود الأبدي يثبت نفسه، ما يجعل نيتشه يهلل فرحاً، لأن نظريته أثبتت نفسها على أرض العنصريين، وأن هتلر عندما أهدى كتاب نيتشه عن (إرادة القوة)، لحليفه موسوليني كان على حق، فالروهينجا يفترشون الأرض العارية على الحدود البنغالية، ويلتحفون السماء العالية، ولا ينتظرون غير اللاشيء، من عالم يتخبط في فراغات اللا معقول، ويرمي بصنارته على رمال السياسات المتدحرجة، على سفوح البراجماتية، عالم يغمض الأعين ويمشي بحثاً عن مصباح علاء الدين، ليجد سر وجوده على هذه الجغرافيا المترامية، ولا جدوى، لأن المرآة ممتلئة بالغبار، وقماشة الوعي أصابها التلف، والمتفرجون كثر على مأساة المقهورين، والمنبوذين، والملعونين في هذا العالم، ولا عقل ينبت في زمن ازدهار الخرافة، خرافة العقل المتجبر.