بقلم : علي ابو الريش
نسأل هل هناك ديمقراطية صافية من غير سوء؟ بالطبع لا، إذا ما دخلنا في فناء النفس البشرية. ففي الديمقراطية يعني أن هناك الرأي والرأي الآخر، ولكن هذا الرأي الصادر عن شخص ما، لا بد أن يصطدم برأي شخص آخر، هذا الصدام ينتج عنه تدخل الأنا الفردية، هذه الأنا التي جاءت في الأساس من منطقة غير محايدة، هي جاءت من زمن الإنسان الفردي الذي كان يتعلق بالشجرة لحماية نفسه من الكائنات المفترسة، وعندما ندخل في هذه الصورة المهيبة، لا نستطيع الفصل بين الإنسان الخائف من المفترسات، والإنسان الخائف من الطرف الآخر، والذي يجسد صورة المهاجم المخيف في العقل اللاشعوري، ونرى هذا النموذج من العلاقة في الديمقراطيات التي تحكم العالم، فالإنسان الديمقراطي هو إنسان صوري لا غير، ولا تعبر ديمقراطيته عن حقيقة الإنسان، أو كما هو في جبلته الفعلية.
ولو أردنا أن نفسر الديمقراطية كحقيقة وجوهر، فإنها الرغبة البشرية في الهروب من الفطرة، ومحاولة مستميتة لنفي ما جبل عليه الإنسان، وهي الديكتاتورية التي تنبع من الأنا المتمركزة في الخلية العقلية منذ الأزل، الأمر الذي يجعل السعي إلى الديمقراطية مثل الطموح إلى التحول من اللظى إلى الظل، ولكن في صحراء النفس البشرية لا يوجد شمس باردة، بل هناك محاولة للتخفيف من اللهيب، ولو أردنا أن نأتي بالأمثلة، سنجد في عالمنا المعاصر أن الديمقراطية فشلت في تأكيد ذاتها في مقابل الديكتاتورية التي تبرز في كل حين عندما تصبح المواجهة بين الإنسان والإنسان في صلب الذي لي والذي لك، هنا تفصح الحقيقة عن جوهرها الفعلي، ويعود الإنسان أدراجه إلى الجبلة الأولى، ولو ما كان الإنسان ديكتاتورياً في الأساس لما ظل يبحث عن الديموقراطية مثل فص الملح الذائب في وعاء ماء عملاق، المسألة مرتبطة بصكوك غفران، ومحاولة يائسة من الإنسان لتغليب إنسانيته على العنصر الحيواني الذي يقطنه منذ بدء الخليقة، وهذا ليس عيباً في الخلق، وإنما خلل في الأخلاق، هي الثغرة أو الفجوة التي تركت مفتوحة لأجل أن يظل الإنسان يبحث، ويبحث إلى أبد الآبدين، ولكن أنانية الإنسان هي التي جعلته يرفض الحقيقة، ويسعى إلى المراوغة لعقدة تاريخية متمكنة فيه، وهي رفضه المتزمت بانتمائه إلى الجنس الحيواني، وهذه المعضلة يتم كشف سرها عندما يحدث الخلاف في وجهات النظر بين شخصين، هنا تبرز الحقيقة، ويعود الإنسان إلى نقطة البداية.
المصدر : جريدة الاتحاد
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع