الموقف المعهود للإنسان الأناني هو قهر الطبيعة، لقد قال فرنسيس بيكون، وهو من فلاسفة استغلال الطبيعة لمصلحة
الإنسان (إن الطبيعة يجب أن تكون مطاردة في تجوالاتها، خاضعة لخدمة الإنسان، موضوعة في قيد، وأن تجعل
عبدة. وأن وظيفة العالم هي أن يعذب، ويسلب أسرارها). مثل هذه الأفكار بنيت على أساس أن الله جعل الطبيعة في
خدمة الإنسان، ولذا من حق الإنسان الطبيعي أن يستغل الطبيعة لمصلحته بالقدر الذي يستطيع.
مثل هذه الأفكار هي التي حشدت أنانية الإنسان، وعدوانيته الشريرة تجاه طبيعة نحن جزء منها، فعندما تقتلع
شجرة، فإنك كمن ينتزع جنيناً من أحشاء أمه، وبذلك تكون قد هتكت النسل البشري، وعندما تدهس نملة، فإنك
تقيض النسيج الوجودي، وعندما تحطم صخرة، فإنك تهدم بنيان الطبيعة.
لقد فعل الإنسان ذلك على مر العصور، ولا زال يفعل ذلك، لأنه اعتبر تهشيم بناء الطبيعة هو في المقابل إعلاء من
شأنه، وهذه الخدعة البصرية جاءت من خرافة قديمة أن الإنسان سيد الكائنات، وبناء عليه، فإنه غرس فأسه في
أحشاء الأرض، وطارد الكائنات، ليفسح لنفسه مكاناً أوسع على الأرض، وليكون السيد المطاع، والأمر الناهي على
أرض البسيطة، وهو المفهوم الخاطئ الذي توشح به على مدى العصور، واليوم إذ تقوم الدول، وحتى تلك الفقيرة
والمتخلفة، في صناعة الأسلحة الفتاكة، ومنها تخصيب اليورانيوم، وإشاعة الذعر في قلب الطبيعة، وتدمير كل ما هو
حي في الضمير الإنساني، إنما ذلك نابع من صميم المسعى البشري في التحقيق التفوق، وهنا ليس على الطبيعة،
وإنما تفوق الإنسان على الإنسان، على الرغم من معرفة الإنسان، من أن السلاح النووي ليس لمصلحة الإنسان الذي
يصنعه لأنه سلاح يقتل صاحبه إذا ما استخدمه ضد الآخر، ولكن عقد التفوق التي انتقلت من الطبيعة، إلى عقدة ضد
الإنسان نفسه هي التي أطلقت هذا السباق المحموم.
هذه العقدة جاءت من موقد نظرية كوبر نيكس التي أظهرت أن الأرض ليست مركزاً للكون، بل هي الشمس، الأمر
الذي خذل الإنسان، وأطاح كبرياءه الوهمي، وقناعاته السابقة، من أنه يتربع على عرش الكون، هذه العقدة جعلته
يسقط كل إخفاقاته النفسية على الطبيعة، وعلى نفسه أيضاً..