بقلم : علي ابو الريش
أعتقد أهم من الفيزياء والكيمياء في تعليم الأبناء هو الحب. علموهم كيف يحبوا، سيتعلمون كيف يبنوا علاقتهم مع الآخر.
المشكلة في العالم أنه اتجه نحو الفلزات واللا فلزات، وتخلى عن فقرة مهمة في حياة الأبناء، وهي كيف ينمى ذلك العنصر الفقاري في حياته، الأمر الذي جعل الحياة فقط معملاً كيميائياً يرتدي أفراده الروب الأبيض، ولكن كل ما حولهم مُلئ برائحة المواد الخانقة. أتمنى وأحلم أن أرى في حياتي مدرسة تعلم الأطفال الحب، وهذه المدرسة كل موادها مشمولة بحيثيات العلاقة مع الآخر، وكيف تُبنى، وكيف تُنسج، وكيف يبدأ الطفل نهاره وهو يقف أمام آخر، لا يخشى منه بل يحبه وينتمي إليه. فالمدنية الحقيقية هي تحسين الطباع، وتهذيب القيم، وتشذيب الأخلاق، وكل ذلك لا يتم إلا عن طريق غرس أشجار الحب في وجدان الأطفال، هؤلاء إن لم ينشأوا على سماع كلمة حب، فلن يتخرجوا من المدارس إلا وهم يحملون حقائب ملأى بأوراق خاوية من المعنى، فالحب وحده الذي يعشوشب له حقل الوجدان، وهو الذي يضع الثمرات الناضجة على أشجار القلب، فتصبح الظلال وارفة، يتفيأ تحتها البشر، وتقيهم لظى الكراهية الخارقة. عندما يمتلئ قلب الإنسان بالحب فلا مكان للكراهية، لا موقع للبغضاء، ولا منزل للتمزق الداخلي.
البعض يخشى الحب وينبذه، لأنه يتعارض مع مطالب الأنا، التي نشأت على العزلة والشخصانية، وترعرعت في مستنقع العصاب القهري، ونمت جذورها عند تربة قاحلة ورمال رسوبية سوداء.
عندما يجلس الطالب الصغير على مقعد الدراسة، ويطلب منه المعلم أن يفتح كتاب الحب، فإنه بطبيعة الحال سوف ينفتح مع دفات الكتاب، وريد القلب، فيدخل أوكسجين الابتسامة، هذه الابتسامة هي المدخل إلى بناء العلاقة الصحيحة مع الحياة ومع الناس.
وبالتالي يختفي شبح الكراهية المهدد دوماً لقلب القارب على رؤوس المسافرين، وإغراقهم في جوف سحيق لا حياة فيه ولا نجاة منه. بالحب تقوى الأركان، وتُثقل الأوزان، وتتسع دائرة المكان، ويصبح الإنسان محور تشديد البنيان، ويصبح للبيان عنوان يدل على تحالف الأنهار لري الحقل الإنساني بماء لا فيه شذرة، ولا تعكره حشرة، إنه ماء الحب عندما يتم التداخل ما بين الإنسان والإنسان من دون بهتان وشنآن، من دون مطبات تعرقل حركة المركبة الإنسانية وتعيق دورة الحياة.
الحب لو تعلمناه نجينا من اللسعات، لأنه الشرشف المخملي الذي يشيع الدفع، ويحمي الأرواح من صقيع العزلة ومرارة التقوقع، وحرقة الانزواء.
المصدر : جريدة الاتحاد
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع