علي أبو الريش
فكر الإنسان نتاج تراكم خبرات عبر التاريخ ومن لا يلتفت إلى صفحات التاريخ وما تزخر به من منجزات وأحياناً عثرات، فإنه كائن فاشل يتوكأ على عصا تالفة، فيقع على الأرض، فريسة أهوائه وأوهامه.. والتاريخ العربي المعاصر غني بالأحداث التي غيرت في تضاريس الأرض، كما غيرت في خارطة العقل، فمن 1928 والعالم العربي يواجه موجة تهشيم السواحل وتحطيم المناهل على يد تنظيم أخذ على عاتقه تكسير العظام ولو بأي ثمن لأنه تنظيم يحمل أفراده فكراً عدمياً لا يؤمن بالحياة ولا يحترم العقل، ولا يفرح بمنجز حضاري، بل إنه يبدأ أول خطواته في ردم الهوة ما بين المالح والعذب لتصبح المياه كلها محملة بملح الأفكار الهدامة ولتصير المجتمعات مثل قطيع الغنم تنهشها الكلاب.. اليوم وبعد أن بلغ الهدم مبلغاً مفزعاً وصار الفأس بالرأس ينبغي على العالِم والجاهل على حد سواء أن يعيا ما تفعله سكاكين القتل، فالتجربة لا تحتاج إلى قراءة صفحات، بل هي واقعة وقوع السكاكين على أعناق الرجال والأطفال والنساء، لذلك فلا أحد يغرر بأحد، فالجميع يقع تحت سطوة الواقع المؤلم، وعليه أن يناضل بالروح والفكر والقلم ضد هذا الوباء وضد من يحاولون تسويق تجارب دموية وضد من يريدون التسويف والتجريف وتحريف الحقائق، وأخذها إلى مكان آخر غير مكانها.. اليوم الجميع مطالب بأن يقف وقفة جادة مع النفس ليُحيي بإجلال وتقدير كل من أرخصوا الأرواح في سبيل مجابهة عدو لدود، خصمه الأول الدين الحنيف الذي استمات لأجل تشويهه وإلباسه لباس العنف والخراب، وإنما هو دين الحياة والجمال والسعادة والحب، دين جاء لكل الناس من أجل فتح نافذة إلى السماء كي يرى الناس نور الملكوت السماوي وإعجازه.
اليوم لا بد وأن يقف الجميع يداً واحدة لدحر عدو واحد والحفاظ على الحياة والحضارة، اليوم لا وسط في المجابهة، فإما أن نكون أو لا نكون لأن أعداء الإنسان جاؤوا يحملون موروث التتار، ليغرقوا الأمصار والأقطار بالدماء والحرق والنسف.. فليأتِ الجميع على كلمة سواء، ولمواجهة الأهواء والإغواء وخصوم الإنسانية الذين جندوا أنفسهم لحمل رسالة الوهم والأخطاء التاريخية المحزنة، فالذين يحرقون مسجداً أو ينسفون كنيسة أو يدمرون معلماً تاريخياً، أو يبيدون قرية هم في الأساس كائنات لم تزل تدور في حلقة داروين الضائعة في أتون المراحل التاريخية المبكرة.