علي أبو الريش
«انتهى عصر التلقين»، عبارة يسردها صاحب الابتكار، والأسبار والأخبار المتفائلة، الذاهبة في القلوب كما هي الدماء الزكية، ويعلنها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، للملأ كي تكون الكلمة نبراساً ومتراساً، تخضب الصفحات بحبر المعاني الرفيعة، ويراع الدلالات الصريحة، وتكحل عيون المحترفين في المستقبل بإثمد الوجود الحق، عبارة مكللة بأهداف سامية، وطموحات بحجم الموجة البيضاء، عند سواحل الأمل، تصد اليأس وترد البؤس، وتفتح طريقاً واسعا، باتجاه الإنجاز المذهل، ليفرح الوطن بأبنائه المبدعين، والمخترعين والمبتكرين، والعاشقين للنجاح، والمنتمين إلى إرادات ورثها الآباء للأبناء، فسار الأحفاد على دروب الفتوحات العلمية، رافعين راية النفوس الأبية التي لا تقبل إلا بسكنى القمم، ولا ترضا إلا بالمراكز الأولى، ولا تهنأ إلا بتحقيق كل ما يحفظ للوطن حقه في مقارعة الكبار، ومجالسة العظماء، وتبديد كل ما يحيق من صعوبات وعقبات ومكدرات بالعزيمة القوية والإرادة الصلبة، وصناعة الفرح في كل مكان وفي كل قلب، إيماناً بأن السعادة أصل الحياة، وأن الحياة بدأت بصرخة الميلاد وحركة المهاد.
الانتماء إلى الابتكار صفة من صفات المتميزين، وسمة من سمات الفرادة في العمل الإنساني، وما الحفظ والتكرار إلا خصلة من خصال النائمين على أرائك الكسل والفشل.
انتهى عصر التلقين، والتسكين والتضمين، وبدأت شجرة الوطن تفوح برائحة الثمرات اليانعة، وخضرة الأوراق اليافعة، وما يحتاجه الإنجاز الحضاري الذي حققته الإمارات اليوم، هو فتح نوافذ الإبداع، والسرعة الفائقة باتجاه البحث عن الذات من خلال التفكير العلمي، والبعد كلياً عن مناهج كراسات النسخ والفسخ، وحفظ جداول الضرب حتى تكسل العقول عن قسمة النهار إما طرحاً أو جمعاً.
انتهى عصر التلقين، وبزغ فجر الذات المتحررة من أغلال الاجترار، ومضغ ما عفى عليه الزمن، وهضم بقايا ما لفظته النفس البشرية.. انتهى عصر التلقين، وحانت ساعة الحقيقية كي يبدأ الطالب في مد الجسور مع واقعه بعيداً عن التحليق في سراب وضباب، أوهام وإدغام لا تعمل إلا على تشتيت عناصر القوة في الذات وبعثرة ملكاتها، وقذفها في مناطق ما بعد الفراغ الفكري.. انتهى عصر التلقين، ليبدأ الطالب شريكاً أساسياً، في صناعة الفكرة، وحياكة قماشتها بجدارة وحنكة وفطنة ولياقة ولباقة وأناقة العقل الثاقب، والرؤية الواضحة بعيداً عن عصا المدرس، وعينيه الشاخصتين في دفتر الواجبات، بعيداً عن رجعة الصباح، التي تغلل أجنحة التحليق، وتغلق مقل التحديق، وتسيء إلى العقل البشري وتحبطه وتثبطه وتحط من قدره.
انتهى عصر التلقين، وجاء زمن التمكين، ليصبح الطالب محور مداره، وجوهر حواره.